الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

. فهناك جنات الفردوس، وجنات عَدْن، وجنات نعيم، وهناك دار الخلد، ودار السلام، وجنة المأوى.. وهناك عِلِّيُون الذي هو أعلى وأفضل الجنات، وأعلى ما فيها التمتع برؤية الحق تبارك وتعالى.. وهو نعيم يعلو كثيراً عن أي نعيم في الطعام والشراب في الدنيا. والطعام والشراب بالنسبة لأهل الجنة لا يكون عن جوع أو ظمأ، وإنما عن مجرد الرغبة والتمتع. والله جل جلاله في هذه الآية يَعِدُ بأمرٍ غيبي، ولذلك فإنه لكي يُقَرِّبَ المعنى إلى ذهن البشر لابد من استخدام ألفاظ مشهودة وموجودة أي: عن واقع نشهده. واقرأ، قوله تبارك وتعالى:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17]. إذن: ما هو موجود في الجنة لا تعلمه نفس في الدنيا.. ولا يوجد لفظ في اللغة يُعَبِّرُ عنه، ولا ملكة من ملكات المعرفة كالسمع والنظر قد رأته، ولذلك استخدم الحق تبارك وتعالى الألفاظ التي تتناسب مع عقولنا وإدراكنا.. فقال تعالى: { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ.. } [البقرة: 25]. على أن هناك آيات أخرى تقول:تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ.. } [التوبة: 100] ما الفرق بين الاثنين؟ قوله تعالى:تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ.. } [التوبة: 100] أي: أن نبع الماء من مكان بعيد وهو يمر من تحتها.. أما قوله تعالى: { مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ.. } [البقرة: 25] فكأن الأنهار تنبع تحتها.. حتى لا يخاف إنسان من أن الماء الذي يأتي من بعيد يقطع عنه أو يجف.. وهذه زيادة لاطمئنان المؤمنين أن نعيم الجنة باق وخالد. وما دام هناك ماء، فهناك خضرة ومنظر جميل ولابُدّ أَنْ يكون هناك ثمر.. وفي قوله تعالى: { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً.. } [البقرة: 25]. حديث عن ثمر الجنة.. وثمر الجنة يختلف عن ثمر الدنيا.. إنك في الدنيا لابد أن تذهب إلى الثمرة وتأتي بها أو يأتيك غيرك بها.. ولكن في الجنة الثمر هو الذي يأتي إليك، بمجرد أن تشتهيه تجده في يدك.. وتعتقد أن هناك تشابهاً بين ثمر الدنيا وثمر الجنة.. ولكن الثمر في الجنة ليس كثمر الدنيا، لا في طعمه ولا في رائحته.. وإنما يرى أهل الجنة ثمرها، ويتحدثون ويقولون ربما تكون هذه الثمرة هي ثمرة المانجو أو التين الذي أكلناه في الدنيا، ولكنها في الحقيقة تختلف تماماً.. قد يكون الشكل متشابهاً ولكن الطعم وكل شيء مختلف. في الدنيا كل طعام له فضلات يخرجها الإنسان.. ولكن في الآخرة لا يوجد لطعام فضلات، بل إن الإنسان يأكل كما يشاء دون أن يحتاج إلى إخراج فضلات، وذلك لاختلاف ثمار الدنيا عن الآخرة في التكوين. إذن، ففي الجنة الأنهار مختلفة والثمار مختلفة، والجنة يكون الرزق فيها من الله سبحانه وتعالى الذي يقول " للشيء كن فيكون ".

PreviousNext
1 2 4