الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }

يقول تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام أنه أنهى إليه، وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء أنه مع البيان المتقدم ذكره، والدعوة المتنوّعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذّبوه، واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله، ومتع بمال وأولاد، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار، لا إكرام، ولهذا قال { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } قرىء وولده بالضم وبالفتح، وكلاهما متقارب. وقوله تعالى { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } قال مجاهد كباراً، أي عظيماً، وقال ابن زيد كباراً، أي كبيراً، والعرب تقول أمر عجيب وعجاب وعجّاب، ورجل حسان وحسّان، وجمال وجمّال، بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد، والمعنى في قوله تعالى { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } أي بأتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى كما يقولون لهم يوم القيامةبَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } سبأ 33 ولهذا قال ههنا { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. قال البخاري حدثنا إبراهيم، حدثنا هشام عن ابن جريج، وقال عطاء عن ابن عباس صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما وَدّ، فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع، فكانت لهذيل، وأما يغوث، فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يَعُوق، فكانت لهمدان، وأما نَسْر، فكانت لحمير لآل ذي كلاع، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا، أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسخ العلم عبدت، وكذا روي عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق نحو هذا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح. وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس { وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } قال كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم لو صورناهم، كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس فقال إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث عليه السلام من طريق إسحاق بن بشر قال أخبرني جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال ولد لآدم عليه السلام أربعون ولداً، عشرون غلاماً، وعشرون جارية، فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل، وصالح وعبد الرحمن الذي كان سماه عبد الحارث، ووَدّ، وكان ود يقال له شيث، ويقال له هبة الله، وكان إخوته قد سودوه، وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر.

السابقالتالي
2