الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحاً عليه السلام لم يرسل بعده رسولاً ولانبياً إلا من ذريته، وكذلك إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، لم ينزل من السماء كتاباً ولا أرسل رسولاً ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا وهو من سلالته، كما قال تعالى في الآية الأخرىوَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَـٰبَ } العنكبوت 27 حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم الذي بشر من بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما، ولهذا قال تعالى { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَـٰهُ ٱلإِنجِيلَ } وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه { وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } وهم الحواريون { رَأْفَةٌ } أي رقة، وهي الخشية { وَرَحْمَةٌ } بالخلق. وقوله { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } أي ابتدعها أمة النصارى { مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ } أي ما شرعناها لهم، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم. وقوله تعالى { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَٰنِ ٱللَّهِ } فيه قولان أحدهما أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة. والآخر ما كتبنا عليهم ذلك، إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله. وقوله تعالى { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي فما قاموا بما التزموا حق القيام، وهذا ذم لهم من وجهين أحدهما الابتداع في دين الله مالم يأمر به الله، و الثاني في عدم قيامهم بماالتزموا مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي، حدثنا السندي بن عبدويه، حدثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه عن جده ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن مسعود " قلت لبيك يارسول الله قال " هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى بن مريم عليه السلام، فدعت إلى دين الله، ودين عيسى بن مريم، فقاتلت الجبابرة، فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال، فقامت بين الملوك والجبابرة، فدعوا إلى دين الله ودين عيسى بن مريم، فقتلت وقطعت بالمناشير، وحرقت بالنيران، فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال، ولم تطق القيام بالقسط، فلحقت بالجبال، فتعبدت وترهبت، وهم الذين ذكر الله تعالى { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ } ". وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا داود بن المحبر، حدثنا الصعق بن حزن، حدثنا عقيل الجعدي عن أبي إسحاق الهمداني عن سويد بن غفلة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3