الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً }

وقوله تعالى { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه، وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا حسين الجعفي عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، قال نزلت هذه الآية { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } في عائشة، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيماتملك ولا أملك " يعني القلب، هذا لفظ أبي داود، وهذا إسناد صحيح، لكن قال الترمذي رواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً، قال وهذا أصح. وقوله { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن، فلا تبالغوا في الميل بالكلية، { فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ } أي فتبقى هذه الأخرى معلقة. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن والضحاك والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان معناها لا ذات زوج، ولا مطلقة. وقال أبو داود الطيالسي أنبأنا همام عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط " ، وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث همام بن يحيى عن قتادة به. وقال الترمذي إنما أسنده همام، ورواه هشام الدستوائي عن قتادة، قال كان يقال ولا يعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من حديث همام. وقوله { وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } أي وإن أصلحتم في أموركم، وقسمتم بالعدل فيما تملكون، واتقيتم الله في جيمع الأحوال، غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض، ثم قال تعالى { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعاً حَكِيماً } وهذه هي الحالة الثالثة، وهي حالة الفراق، وقد أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرقا، فإن الله يغنيه عنها، ويغنيها عنه، بأن يعوضه الله من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه، { وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعاً حَكِيماً } أي واسع الفضل، عظيم المن، حكيماً في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.

PreviousNext
1 2 3 4