الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

وقال العوفي عن ابن عباس قوله { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره، فقال { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ } والمشكاة كوة في البيت، قال وهو مثل ضربه الله لطاعته، فسمى الله طاعته نوراً، ثم سماها أنواعاً شتى، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد هي الكوة بلغة الحبشة، وزاد بعضهم فقال المشكاة الكوة التي لا منفذ لها، وعن مجاهد المشكاة الحدائد التي يعلق بها القنديل، والقول الأول أولى، وهو أن المشكاة هو موضع الفتيلة من القنديل، ولهذا قال { فِيهَا مِصْبَاحٌ } وهو النور الذي في الذُّبالة، قال أبيّ بن كعب المصباح النور، وهو القرآن والإيمان الذي في صدره، وقال السدي هو السراج { ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ } أي هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية، وقال أبيّ بن كعب وغير واحد وهي نظير قلب المؤمن { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ } قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة، من الدر، أي كأنها كوكب من درّ، وقرأ آخرون دريء ودريء بكسر الدال وضمها مع الهمزة، من الدرء، وهو الدفع، وذلك أن النجم إذا رمي به، يكون أشد استنارة من سائر الأحوال، والعرب تسمي مالا يعرف من الكواكب دراري، قال أبيّ بن كعب كوكب مضيء، وقال قتادة مضيء مبين ضخم { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } أي يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة { زَيْتُونَةٍ } بدل أو عطف بيان { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار، ولا في غربيها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب، بل هي في مكان وسط تفرعه الشمس من أول النهار إلى آخره، فيجيء زيتها صافياً معتدلاً مشرقاً. وروى ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد، أخبرنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قال هي شجرة بالصحراء، لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف، ولا يواريها شيء، وهو أجود لزيتها. وقال يحيى بن سعيد القطان عن عمران بن حدير عن عكرمة في قوله تعالى { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قال هي بصحراء، وذلك أصفى لزيتها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمر بن فروخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة، وسأله رجل عن قوله تعالى { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قال تلك بأرض فلاة، إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها، فإذا غربت، غربت عليها، فذلك أصفى ما يكون من الزيت.

PreviousNext
1 3 4 5