الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } * { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

وأنه - سبحانه - قد وصفه بأنه قد أنزله ملتبسا بالحق والصدق، وأنه مؤيد ومقرر لما اشتملت عليه الكتب السماوية من الدعوة إلى الحق والخير، وأنه - فضلا عن كل ذلك - أمين على تلك الكتب، وحاكم عليها، فما أيده من أحكامها وأقوالها فهو حق، ومالم يؤيده منها فهو باطل. قال ابن كثير جعل الله هذا الكتاب العظيم الذى أنزله آخر الكتب وخاتمها، جعله أشملها وأعظمها وأكملها، لأنه - سبحانه - جمع فيه محاسن ما قبله من الكتب وزاد فيه من الكمالات ما ليس فى غيره، فلهذا جعله شاهداً وأمينا وحاكما عليها كلها، وتكفل - سبحانه - بحفظه بنفسه فقالإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وقوله { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } أمر من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتلزم فى حكمه بين الناس الأحكام التى أنزلها - سبحانه - والفاء فى قوله { فاحكم } للإِفصاح عن شرط مقدر. أى إذا كان شأن القرآن كما ذكرت لك يا محمد فاحكم بين هؤلاء اليهود وبين غيرهم من الناس بما أنزله الله من أحكام، فإن ما أنزله هو الحق الذى لا باطل معه، ولا تتبع فى حكمك أهواء هؤلاء اليهود وأشباههم لأن أتباعك لأهواهئهم يجعلك منحرفا ومائلا عما جاءك من الحق الذى لا مرية فيه ولا ريب. ولم يقل - سبحانه - " فاحكم بينهم به " بل ترك الضمير وعبر بالموصول فقال { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } للتنبيه على علية ما فى حيز الصلة للحكم، لأن الموصول إذا كان فى ضمن حكم تكون الصلة هى علة الحكم. أى التزم فى حكمك بينهم بما يؤيده القرآن لأنه الكتاب الذى أنزله الله عليك. قال بعض العلماء " وهذا يفيد أن اليهود الذين عاشروا النبى صلى الله عليه وسلم ومن جاءوا بعدهم مخاطبون بشريعة القرآن، وأنه نسخ ما قبله من الشرائع إلا ما جاء النص بوجوب العمل به كالقصاص، أو ما لم يثبت أنهن نسخ والمعول عليه فى الحالين هو القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد روى أنه - عليه السلام - ذكر أن موسى لو كان حيا ما وسعه إلا الإِيمان به - عليه السلام. والضمير فى قوله، { أهواءهم } يعود إلى أولئك اليهود الذين كانوا يتحاكمون إلى النبى صلى الله عليه وسلم لا بقصد الوصول إلى الحق، وإنما بقصد الوصول إلى ما يسهل عليهم احتماله من أحكام. قال الآلوسى والنهى يجوز أن يكون لمن لا يتصور منه وقوع المنهى عنه. ولا يقال كيف نهى صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهوائهم، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عن ارتكاب ما دون ذلك.

PreviousNext
1 3 4 5 6 7 8