الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } * { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } * { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } * { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } * { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً }

أقسام من الله تعالى بطوائف من ملائكة الموت عليهم السلام الذين ينزعون الأرواح من الأجساد على الإطلاق كما في رواية عن ابن عباس ومجاهد أو أرواح الكفرة على ما أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه وجويبر في «تفسيره» عن الحبر وابن أبـي حاتم عن ابن مسعود وعبد بن حميد عن قتادة وروي عن سعيد بن جبير ومسروق، وينشطونها أي يخرجونها من الأجساد من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ويسبحون في إخراجها سبح الذي يخرج من البحر ما يخرج فيسبقون ويسرعون بأرواح الكفرة إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة فيدبرون أمر عقابها وثوابها بأن يهيؤها لإدراك ما أعد لها من الآلام واللذات.

ومال بعضهم إلى تخصيص النزع بأرواح الكفار والنشط والسبح بأرواح المؤمنين لأن النزع جذب بشدة وقد أردف بقوله تعالى { غَرْقاً } وهو مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي إغراقاً في النزع من أقاصي الأجساد وقيل هو نوع والنزع جنس أي في هذا المحل، وذلك أنسب بالكفار، قال ابن مسعود تنزع الملائكة روح الكافر من جسده من تحت كل شعرة ومن تحت الأظافر وأصول القدمين ثم تغرقها في جسده ثم تنزعها حتى إذا كادت تخرج يردها في جسده وهكذا مراراً فهذا عملها في الكفار والنشط الإخراج برفق وسهولة وهو أنسب بالمؤمنين وكذا السبح ظاهر في التحرك برفق ولطافة، قال بعض السلف: إن الملائكة يسلون أرواح المؤمنين سلاً رقيقاً ثم يتركونها حتى تستريح رويداً ثم يستخرجونها برفق ولطف كالذي يسبح في الماء فإنه يتحرك برفق لئلا يغرق فهم يرفقون في ذلك الاستخراج لئلا يصل إلى المؤمن ألم وشدة. وفي «التاج» أن النشط حل العقدة برفق ويقال كما في «البحر» أنشطت العقال ونشطته إذا مددت أنشوطته فانحلت والأنشوطة عقدة يسهل انحلالها إذا جذبت كعقدة التكة فإذا جعلت الناشطات من النشط بهذا المعنى كان أوفق للإشارة إلى الرفق. والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي كما مر غير مرة للإشعار بأن كل واحد من الأوصاف المعدودة من معظمات الأمور حقيق بأن يكون على حياله مناطاً لاستحقاق موصوفه للإجلال والإعظام بالإقسام به من غير انضمام الأوصاف الأخر إليه، ولو جعلت النازعات ملائكة العذاب والناشطات ملائكة الرحمة كان العطف للتغاير الذاتي على ما هو الأصل والفاء في الأخيرين للدلالة على ترتبهما على ما قبلهما بغير مهلة.

وانتصاب { نَشْطاً } و { سَبْحاً } و { سَبْقاً } على المصدرية كانتصاب { غَرْقاً } وأما انتصاب { أَمْراً } فعلى المفعولية للمدبرات لا على نزع الخافض أي بأمر منه تعالى كما قيل وزعم أنه الأولى. وتنكيره للتهويل والتفخيم وجوز أن يكون { غَرْقاً } مصدراً مؤولاً بالصفة المشبهة ونصبه على المفعولية أيضاً للنازعات أو صفة للمفعول به لها أي نفوساً غرقة في الأجساد وحمل بعضهم غرقها فيها بشدة تعلقها بها وغلبة صفاتها عليها وكأن ذلك مبني على تجرد الأرواح كما ذهب إليه الفلاسفة وبعض أجلة المسلمين.

السابقالتالي
2 3 4 5