الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { يَابَنِيۤ آدَمَ } هو خطاب لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عرياناً فإنه عامٌّ في كل مسجد للصلاة. لأن العبرة للعُموم لا للسّبب. ومن العلماء من أنكر أن يكون المراد به الطواف لأن الطواف لا يكون إلا في مسجد واحد، والذي يعم كل مسجد هو الصلاة. وهذا قول مَن خفي عليه مقاصد الشريعة. وفي صحيح مسلم عن ٱبن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول: من يُعِيرُني تِطْوَافاً؟ تجعله على فرجها. وتقول:
اليومَ يَبْدُو بعضُه أو كلّه   وما بَدَا منه فلا أحِلّه
فنزلت هذه الآية: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }. التطْواف بكسر التاء. وهذه المرأة هي ضُباعة بنت عامر بن قُرْط قاله القاضي عياض. وفي صحيح مسلم أيضاً عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحُمْس، والحُمْسُ قريش وما ولدت، كانوا يطوفون بالبيت عُراةً إلا أن تعطيهم الحُمْسُ ثياباً فيعطي الرجالُ الرجالَ والنساءُ النساءَ. وكانت الحمس لا يخرجون من المُزْدَلِفة، وكان الناس كلهم يقفون بعرفات. في غير مسلم: ويقولون نحن أهل الحَرَم، فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا. فمن لم يكن له من العرب صديق بمكة يُعيره ثوباً ولا يَسارٌ يستأجره به كان بين أحد أمرين: إما أن يطوف بالبيت عُرياناً، وإما أن يطوف في ثيابه فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسه أحد. وكان ذلك الثوب يسمى اللَّقَى قال قائل من العرب:
كفَى حَزَنا كَريِّ عليه كأنّه   لَقًى بين أيدي الطائفين حَرِيمُ
فكانوا على تلك الجهالة والبدعة والضلالة حتى بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: { يَابَنِيۤ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ } الآية. وأذَّن مؤذِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا لا يطوف بالبيت عُرْيَان ". قلت: ومن قال بأن المراد الصلاة فزينتها النعال لما رواه كُرْز بن وَبْرَة عن عطاء عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم: " «خذوا زينة الصلاة» قيل: وما زينة الصلاة؟ قال: «البسوا نعالكم فَصلّوا فيها» ". الثانية ـ دلت الآية على وجوب ستر العورة كما تقدّم. وذهب جمهور أهل العلم إلى أنها فرض من فروض الصلاة. وقال الأبهرِيّ هي فرض في الجملة، وعلى الإنسان أن يسترها عن أعين الناس في الصلاة وغيرها. وهو الصحيح لـ " قوله عليه السلام لِلْمِسْوَر بن مَخْرَمَة: «ٱرجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عُراة» "

السابقالتالي
2 3 4 5