الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

قوله تعالى: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ } أي عن أهل القرية فعبّر عنهم بها لما كانت مستقراً لهم أو سبب اجتماعهم. نظيرهوَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } [يوسف: 82]. وقوله عليه السلام: " ٱهتز العرش لموت سعد بن معاذ " يعني أهل العرش من الملائكة، فرحا واسبشاراً بقدومه، رضي الله عنه. أي واسأل اليهود الذين هم جيرانك عن أخبار أسلافهم وما مسخ الله منهم قِردة وخنازير. وهذا سؤال تقرير وتوبيخ. وكان ذلك علامة لصدق النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أطلعه الله على تلك الأُمور من غير تعلم. وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، لأنا من سِبط خليله إبراهيم، ومن سِبط إسرائيل وهم بكر الله، ومن سبط موسى كليم الله ومن سبط ولده عزير، فنحن من أولادهم. فقال الله عز وجل لنبيه: سلهم يا محمد عن القرية، أما عذبتهم بذنوبهم وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة. وٱختُلف في تعيين هذه القرية فقال ابن عباس وعِكرمة والسُّدِّي: هي أيْلة. وعن ٱبن عباس أيضاً أنها مَدْين بين أيلة والطور. الزُّهْرِيّ: طَبَرِيّة. قتادة وزيد بن أسلم: هي ساحل من سواحل الشأم، بين مَدْين وعَيْنون، يقال لها: مقناة. وكان اليهود يكتمون هذه القصة لما فيها من السُّبّة عليهم. { ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } أي كانت بقرب البحر تقول: كنت بحضرة الدار أي بقربها. { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي يصيدون الحِيتان، وقد نُهوا عنه يقال: سَبَت اليهودُ تركوا العمل في سبتهم. وسُبِت الرجل للمفعول سُباتاً أخذه ذلك، مثل الخرس. وأسبت سكن فلم يتحرك. والقوم صاروا في السبت. واليهود دخلوا في السبت، وهو اليوم المعروف. وهو من الراحة والقَطْع. ويجمع أسْبُت وسُبُوت وأسبات. وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ٱحتجم يوم السبت فأصابه بَرَص فلا يلومنّ إلا نفسه " قال علماؤنا: وذلك لأن الدّم يجمد يوم السبت، فإذا مددته لتستخرجه لم يجرِ وعاد بَرَصاً. وقراءة الجماعة «يَعْدُون». وقرأ أبو نَهِيك «يُعِدّون» بضم الياء وكسر العين وشد الدال. الأُولى من الاعتداء والثانية من الإعداد أي يهيئون الآلة لأخذها. وقرأ ابن السَّمَيْقَع «في الأسبات» على جمع السبت. { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ } وقرىء «أسباتهم». { شُرَّعاً } أي شوارع ظاهرة على الماء كثِيرة. وقال اللّيث: حيتان شُرّع رافعة رؤوسها. وقيل: معناه أن حيتان البحر كانت ترِد يوم السبت عُنُقاً من البحر فتزاحم أيْلة. ألهمها الله تعالى أنها لا تُصاد يوم السبت لنَهْيِه تعالى اليهود عن صيدها. وقيل: إنها كانت تشرع على أبوابهم كالكِباش البيض رافعةً رؤوسها. حكاه بعض المتأخرين فتعدّوا فأخذوها في السبت قاله الحسن. وقيل: يوم الأحد، وهو الأصح على ما يأتي بيانه.

السابقالتالي
2 3