الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ }

ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يُغْني أحدٌ في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرّق بينهما الدِّين. وكان اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة قاله مقاتل. وقال الضحاك عن عائشة رضي الله عنها: إن جبريل نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط والهة. { فَخَانَتَاهُمَا } قال عكرمة والضحاك: بالكفر. وقال سليمان بن رقية عن ابن عباس: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه: ما بَغَت امرأة نبيّ قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القُشَيريّ. إنما كانت خيانتهما في الدِّين وكانتا مشركتين. وقيل: كانتا منافقتين. وقيل: خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين قاله الضحاك. وقيل: كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنّت لتُعْلِم قومها أنه قد نزل به ضيف لما كانوا عليه من إتيان الرجال. { فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما ـ لمّا عَصتَا ـ شيئاً من عذاب الله تنبيهاً بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة. ويقال: إن كفار مكة استهزءوا وقالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يشفع لنا فبيّن الله تعالى أن شفاعته لا تنفع كفّار مكة وإن كانوا أقرباء، كما لا تنفع شفاعةُ نوح لامرأته وشفاعةُ لوط لامرأته، مع قربهما لهما لكفرهما. وقيل لهما: { ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } في الآخرة كما يقال لكفار مكة وغيرهم. ثم قيل: يجوز أن تكون «امرأة نوح» بدلا من قوله: «مَثَلاً» على تقدير حذف المضاف أي ضرب الله مثلاً امرأة نوح. ويجوز أن يكونا مفعولين.