الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ }

قوله تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } كسرت «إنّ» لدخول اللام. قال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد والله ما نُكذِّبك وإنك عندنا لصادق، ولكن نُكذِّب ما جئتَ به فنزلت هذه الآية: { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ثم آنسه بقوله: { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } الآية. وقرىء «يُكَذِّبُونَكَ» مخففاً ومشدّداً قيل: هما بمعنى واحد كحزنته وأحزنته وٱختار أبو عُبيد قراءة التخفيف، وهي قراءة علي رضي الله عنه وروى عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ }. قال النحاس وقد خولف أبو عُبيد في هذا. وروى: لاَ نُكذبِك. فأنزل الله عز وجل: { لاَ يُكَذِّبُونَكَ }. ويقوّي هذا أن رجلاً قرأ على ابن عباس «فَإِنَّهُمْ لاَ يُكْذِبُونَكَ» مخففاً فقال له ابن عباس «فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ». لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم: الأمين. ومعنى «يُكَذِّبُونَكَ» عند أهل اللغة ينسبونك إلى الكذب ويردّون عليك ما قلت. ومعنى «لا يُكْذِبُونَكَ» أي لا يجدونك تأتي بالكذب كما تقول: أكذبته وجدته كذّاباً، وأبخلته وجدته بخيلاً، أي لا يجدونك كذّاباً إن تدبّروا ما جئت به. ويجوز أن يكون المعنى: لا يثبتون عليك أنك كاذب لأنه يقال: أكذبته إذا ٱحتججت عليه وبيَّنت أنه كاذب. وعلى التشديد: لا يكذّبونك بحجة ولا برهان ودل على هذا { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }. قال النحاس: والقول في هذا مذهب أبي عبيد، وٱحتجاجه لازم لأن علياً كرم الله وجهه هو الذي روى الحديث، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب: أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه، وكذّبته إذا أخبرت أنه كاذب وكذلك قال الزجاج: كذّبته إذا قلت له كذبت، وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب. قوله تعالى: { فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ } أي فٱصبر كما صبروا. { وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } أي عوننا، أي فسيأتيك ما وُعِدت به. { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } مبين لذلك النصر أي ما وعد الله عز وجل به فلا يقدر أحد أن يدفعه لا ناقض لحكمه، ولا خلف لوعده ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد: 38]إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر: 51]وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [المجادلة: 21] { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } فاعل «جاءك» مضمر المعنى: جاءك من نبإ المرسلين نبأٌ.