الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وعن ابن عمر أنه كان يكري أرضه ويشترط ألا تُدْمَن بالعذرة. وروي أن رجلاً كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر: أنت الذي تطعم الناس ما يخرج منهم. وٱختلفوا في أكل الخيل فأباحها الشافعيّ، وهو الصحيح، وكرهها مالك. وأما البغل فهو متولّد من بين الحمار والفرس، وأحدهما مأكول أو مكروه وهو الفرس، والآخر محرّم وهو الحمار فغلّب حكم التحريم لأن التحليل والتحريم إذا اجتمعا في عين واحدة غلّب حكم التحريم. وسيأتي بيان هذه المسألة في «النحل» إن شاء الله بأوْعَبَ من هذا. وسيأتي حكم الجراد في «الأعراف». والجمهور من الخَلَف والسّلَف على جواز أكل الأرنب. وقد حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص تحريمه. وعن ابن أبي ليلى كراهته. قال عبد الله بن عمرو: جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم يَنْه عن أكلها. وزعم أنها تحيض. ذكره أبو داود. وروى النسائي مُرْسلاً عن موسى بن طلحة قال: " أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها رجل وقال: يا رسول الله، إني رأيت بها دماً فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها، وقال لمن عنده: «كُلُوا فإني لو ٱشتهيتها أكلتها» ". قلت: وليس في هذا ما يدل على تحريمه، وإنما هو نحوٌ من قوله عليه السلام: " إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: " مررنا بمَرّ الظهران فاسْتَنْفَجْنا أرْنَبا فَسَعَوْا عليه فَلَغَبُوا. قال: فسعيت حتى أدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، فبعث بوركها وفَخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَبِله ". الرابعة: قوله تعالى: { عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } أي آكل يأكله. وروي عن ابن عامر أنه قرأ «أَوْحى» بفتح الهمزة. وقرأ علي بن أبي طالب «يَطَّعِمه» مثقل الطاء، أراد يتطعمه فأدغم. وقرأت عائشة ومحمد بن الحنفية «على طاعم طعمه» بفعل ماض { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } قرىء بالياء والتاء أي إلا أن تكون العين أو الجثة أو النفس ميتةً. وقرىء «يكون» بالياء «ميتة» بالرفع بمعنى تقع وتحدث ميتة. والمسفوح: الجاري الذي يسيل وهو المحرّم. وغيره مَعْفُوٌّ عنه. وحكى الماورديّ أن الدم غير المسفوح أنه إن كان ذا عروق يُجمد عليها كالكبد والطحال فهو حلال لقوله عليه السلام: " أحِلّت لنا ميتتان ودمان " الحديثَ. وإن كان غير ذي عروق يجمد عليها، وإنما هو مع اللحم ففي تحريمه قولان: أحدهما أنه حرام لأنه من جملة المسفوح أو بعضه. وإنما ذكر المسفوح لاستثناء الكبد والطحال منه. والثاني أنه لا يحرّم لتخصيص التحريم بالمسفوح. قلت: وهو الصحيح. قال عمران بن حُدير: سألت أبا مِجْلَز عما يتلطخ من اللحم بالدم، وعن القِدر تعلوها الحمرة من الدّم فقال: لا بأس به، إنما حرّم الله المسفوح. وقالت نحوه عائشة وغيرُها، وعليه إجماع العلماء. وقال عكرمة: لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع اليهود. وقال إبراهيم النَّخَعِيّ: لا بأس بالدم في عرق أو مخ. وقد تقدّم هذا وحكم المضطر في «البقرة» والله أعلم.

PreviousNext
1 2 3 4 5 6