الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } * { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } * { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ }

قوله تعالى: { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } قرأ العامة «قاف» بالجزم. وقرأ الحسن وٱبن أبي إسحاق ونصر ابن عاصم «قافِ» بكسر الفاء لأن الكسر أخو الجزم، فلما سكن آخره حرّكوه بحركة الخفض. وقرأ عيسى الثقفيّ بفتح الفاء حرّكه إلى أخف الحركات. وقرأ هارون ومحمد بن السَّمَيْقَع «قافُ» بالضم لأنه في غالب الأمر حركة البناء نحو منذُ وقطُّ وقبلُ وبعدُ. وٱختلف في معنى «قۤ» ما هو؟ فقال ابن زيد وعكرمة والضحاك: هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء ٱخضرت السماء منه، وعليه طَرَفَا السماءِ والسماء عليه مَقْبِيَّةٌ، وما أصاب الناسُ من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل. ورواه أبو الجوزاء عن عبد الله بن عباس. قال الفرّاء: كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في «قۤ» لأنه ٱسم وليس بهجاء. قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من ٱسمه كقول القائل:
قلـتُ لها قِفِـي فقالتْ قـافْ   
أي أنا واقفة. وهذا وجه حسن وقد تقدّم أوّل «البقرة». وقال وهب: أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالاً صغاراً، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا قاف قال: فما هذه الجبال حولك؟ قال: هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزت تلك الأرض فقال لَه: يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله قال: إن شأن ربِّنا لعظيمٌ، وإن ورائي أرضاً مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا، لولا هي لاحترقت من حرّ جهنم. فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها وأين هي من الأرض. قال: زدني، قال: إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله تُرْعَد فرائصُه، يخلق الله من كل رِعدة مائة ألف ملك، فأولئك الملائكة وقوف بين يدي الله تعالى منكسو رؤوسهم، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا: لا إلٰه إلا الله وهو قوله تعالى:يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } [النبأ: 38] يعني قول: لا إلٰه إلا الله. وقال الزجاج: قوله «قۤ» أي قُضِيَ الأمر، كما قيل في «حمۤ» أي حُمَّ الأمرُ. وقال ٱبن عباس: «قۤ» ٱسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وعنه أيضاً: أنه ٱسم من أسماء القرآن. وهو قول قتادة. وقال القُرظيّ: ٱفتتاح أسماء الله تعالى قدير وقاهر وقريب وقاضٍ وقابض. وقال الشَّعبيّ: فاتحة السورة. وقال أبو بكر الورّاق: معناه قِف عند أمرنا ونهينا ولا تَعْدُهما. وقال محمد بن عاصم الأنطاكيّ: هو قرب الله من عباده، بيانه { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } وقال ٱبن عطاء: أقسم الله بقوّة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، حيث حمل الخطاب ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله.

السابقالتالي
2 3