الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

السابعة ـ ولا بأس بالأكل والشُّرب والطَّبخ في آنية الكفار كلهم، ما لم تكن ذهباً أو فِضّة أو جِلد خِنزير بعد أن تُغسل وتُغلى لأنهم لا يتوقّون النجاسات ويأكلون الميتات فإذا طَبَخوا في تلك القُدور تنجّست، وربما سَرَت النجاسات في أجزاء قُدور الفَخَّار فإذا طُبخ فيها بعد ذلك تُوقّع مخالطة تلك الأجزاء النّجسة للمطبوخ في القِدر ثانية فاقتضى الوَرَع الكفّ عنها. ورُوي عن ٱبن عباس أنه قال: إن كان الإناء من نُحاس أو حديد غُسِل، وإن كان من فَخّار أغلي فيه الماء ثم غُسل ـ هذا إذا ٱحتيج إليه ـ وقاله مالك فأما ما يستعملونه لغير الطبخ فلا بأس باستعماله من غير غسل لما رَوى الدارقطنيّ عن عمر أنه توضأ من بيت نصرانيّ في حُقِّ نصرانيّة وهو صحيح وسيأتي في «الفرقان» بكماله. وفي صحيح مسلم " من حديث أبي ثَعْلَبة الخُشَنِيّ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل كتاب نأكل في آنيتهم، وأرض صيد، أَصِيد بقوسي وأَصيد بكلبي المعلَّم، وأَصِيد بكلبي الذي ليس بمعلّم فأَخْبِرني ما الذي يَحِلّ لنا من ذلك؟ قال: «أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل كتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها» " ثم ذكر الحديث. الثامنة ـ قوله تعالى: { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شَرْعنا أي إذا ٱشتروا منا ٱللّحم يَحِلّ لهم ٱللّحم ويَحِلّ لنا الثمن المأخوذ منهم. التاسعة ـ قوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } الآية. قد تقدّم معناها في «البقرة» و «النساء» والحمد لله. ورُوي عن ٱبن عباس في قوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ }. هو على العهد دون دار الحرب فيكون خاصّاً. وقال غيره: يجوز نكاح الذِّمّية والحربيّة لعموم الآية. ورُوي عن ٱبن عباس أنه قال: «المحصَناتُ» العفيفات العاقلات. وقال الشَّعبيّ: هو أن تحصن فَرْجها فلا تَزني، وتغتسل من الجنابة. وقرأ الشَّعبيّ «والمحصِنَات» بكسر الصاد، وبه قرأ الكسائيّ. وقال مجاهد: «المحصَنَات» الحرائر قال أبو عبيد: يذهب إلى أنه لا يحلّ نكاح إماء أهل الكتاب لقوله تعالى:فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } [النساء: 25] وهذا القول الذي عليه جِلّة العلماء. العاشرة ـ قوله تعالى: { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ } قيل: لمّا قال تعالى { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } قال نساء أهل الكتاب: لولا أن الله تعالى رَضي ديننا لم يُبح لكم نكاحنا فنزلت { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ } أي بما أنزل على محمد. وقال أبو الهيثم: الباء صِلة أي ومن يكفر ٱلإيمان أي يَجْحَدْه { فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ }. وقرأ ٱبن السَّمَيْقَع «فَقَدْ حَبَط» بفتح الباء. وقيل: لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم القيام بها، ذُكر الوعيد على مخالفتها لما في ذلك من تأكيد ٱلزجر عن تضييعها. ورُوي عن ٱبن عباس ومجاهد أن المعنى: ومن يكفر بالله قال الحسن بن الفضل: إن صحّت هذه الرواية فمعناها بربّ الإيمان. وقال الشيخ أبو الحسن الأشعريّ: ولا يجوز أن يسمّى الله إيماناً خلافاً للحشوِية والسّالميّة لأن الإيمان مصدر آمن يُؤمِن إيماناً، وٱسم الفاعل منه مُؤمِن والإيمان التصديق، والتصديق لا يكون إلا كلاماً، ولا يجوز أن يكون الباري تعالى كلاماً.

PreviousNext
1 2