الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين: أحدهما ـ ما فيه محاولة صَنْعة لا تعلق للدِّين بها كخبز الدقيق، وعصر الزيت ونحوه فهذا إن تُجنِّب من الذميّ فعلى وجه التَّقَزّز. والضرب الثاني ـ هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدّين والنيّة فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم ـ كما نقول إنهم لا صلاة لهم ولا عبادة مقبولة ـ رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأُمّة، وأخرجها ٱلنص عن القياس على ما ذكرناه من قول ٱبن عباس وٱللَّه أعلم. الرابعة ـ وٱختلف العلماء أيضاً فيما ذَكَّوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أو لا؟ على قولين فالجمهور على أنها عاملة في كُلّ الذبيحة ما حلّ له منها وما حرم عليه، لأنه مُذَكَّى. وقالت جماعة من أهل العلم: إنما حلّ لنا من ذبيحتهم ما حَلّ لهم لأن ما لا يحلّ لهم لا تعمل فيه تذكيتهم فمنعت هذه الطائفة الطّريف والشُّحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب وقَصَرت لفظ الطعام على البعض وحَمَلته الأُولى على العموم في جميع ما يؤكل. وهذا ٱلخلاف موجود في مذهب مالك. قال أبو عمر: وكره مالك شُحُوم اليهود وأكل ما نَحَروا من الإبل، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً وسيأتي هذا في «الأنعام» إن شاء الله تعالى وكان مالك رحمه الله يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم، وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون وهذا منه رحمه الله تَنَزُّه. الخامسة ـ وأما المجوس فالعلماء مجمعون ـ إلا من شَذّ منهم ـ على أن ذبائحهم لا تؤكل ولا يتزوّج منهم لأنهم ليسوا أهل كتاب على المشهور عند العلماء. ولا بأس بأكل طعام من لا كتاب له كالمشركين وعَبَدة الأوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إلا الجُبن لما فيه من إنْفَحة الميتة. فإن كان أبو الصبيّ مجوسيّاً وأُمّه كتابيّة فحكمه حكم أبيه عند مالك، وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبيّ إذا كان أحد أبويه ممن لا تؤكل ذبيحته. السادسة ـ وأما ذبيحة نصارى بني تَغْلِب وذبائح كلّ دَخيل في اليهوديّة والنصرانيّة فكان عليّ رضي الله عنه ينهى عن ذبائح بني تَغْلب لأنهم عَرَب، ويقول: إنهم لم يتمسّكوا بشيء من النصرانيّة إلا بشرب الخمر وهو قول الشافعي وعلى هذا فليس ينهى عن ذبائح النصارى المحقّقين منهم. وقال جمهور الأُمّة: إنّ ذبيحة كل نصرانيّ حلال سواء كان من بني تَغْلِب أو غيرهم، وكذلك اليهوديّ. واحتجّ ٱبن عباس بقوله تعالى:وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51] فلو لم تكن بنو تَغْلِب من النصارى إلا بتولّيهم إياهم لأُكلت ذبائحهم.

PreviousNext
1 3