الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

وهذا نهيٌ عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن. وقيل: المعنى لا تكلِّفوهن الحُبَّ لكم فإنه ليس إليهن. العاشرة ـ قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولِين الجانب أي إن كنتم تقدِرون عليهن فتذكّروا قدرة الله فيَدهُ بالقدرة فوق كل يد. فلا يَستعلي أحد على ٱمرأته فالله بالمرصاد فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلوّ والكبر. الحادية عشرة ـ وإذا ثبت هذا فٱعلم أن الله عزّ وجلّ لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صُراحاً إلا هنا وفي الحدود العظام فسَاوى معصِيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولّى الأزواج ذلك دون ٱلأئمة، وجعله لهم دون القُضاة بغير شهود ولا بينات ٱئتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء. قال المهلب: إنما جوّز ضرب النساء من أجل ٱمتناعهنّ على أزواجهنّ في المباضعة. وٱختلِف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجِب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز ضربها في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف. وقال ٱبن خُوَيْزِ مَنْدَاد: والنشوز يُسقِط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضرِبها الزوج ضرب الأدب غير المُبَرِّح، والوعظُ والهجر حتى ترجِع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها وكذلك كل ما ٱقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها. ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة فأدب الرفيعة العَذْل، وأدب الدنيئة السَّوْط. وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " رحِم الله ٱمرأ علّق سوطه وأدّب أهله " وقال: " إنّ أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتِقه " وقال بَشَّار:
الحرُّ يُلْحَى والعصا للعبْدِ   
يُلْحَى أي يلام وقال ٱبن دُرَيد:
وٱللَّوْمُ للحرّ مُقيمٌ رادِعٌ   والعبد لا يَرْدَعهُ إلا العَصَا
قال ٱبن المنذِر: ٱتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعاً بالِغِين إلا الناشز منهنّ الممتنعة. وقال أبو عمر: من نشزت عنه ٱمرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملاً. وخالف ٱبن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشِز فأوجبها. وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها. ولا تَسقط نفقةُ المرأة عن زوجها لشيءٍ غير النشوز لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مَغِيب زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جَوْرٍ غير ما ذكرنا. والله أعلم.

PreviousNext
1 2 3 4