الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } * { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

الثاني أنه الخاشع في صلاته قاله ابن شهاب. الثالث أنه القائم في صلاته قاله يحيـى بن سلاّم. الرابع أنه الداعي لربه. وقول ابن مسعود يجمع ذلك. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله عز وجل " وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سئل أي الصلاة أفضل؟ فقال:«طول القنوت» " وتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام. وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر سئل عن القنوت فقال: ما أعرف القنوت إلا طول القيام، وقراءة القرآن. وقال مجاهد: من القنوت طول الركوع وغضّ البصر. وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضُّوا أبصارهم، وخضعوا ولم يلتفتوا في صلاتهم، ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئاً من أمر الدنيا إلا ناسين. قال النحاس: أصل هذا أن القنوت الطاعة، فكل ما قيل فيه فهو طاعة لله عز وجل، فهذه الأشياء كلها داخلة في الطاعة وما هو أكثر منها كما قال نافع: قال لي ابن عمر قم فصلّ فقمت أصلّي وكان عليّ ثوب خَلِق، فدعاني فقال لي: أرأيت لو وجهتك في حاجة أكنت تمضي هكذا؟ فقلت: كنت أتزيَّن قال: فالله أحق أن تتزيَّن له. واختلف في تعيين القانت هاهنا، فذكر يحيـى بن سلام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس في رواية الضحاك عنه: هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال ابن عمر: هو عثمان رضي الله عنه. وقال مقاتل: إنه عمّار بن ياسِر. الكلبي: صُهَيب وأبو ذرّ وابن مسعود. وعن الكلبي أيضاً مرسل فيمن كان على هذه الحال. { آنَآءَ ٱللَّيْلِ } قال الحسن: ساعاته أوله وأوسطه وآخره. وعن ابن عباس: «آنَاءَ اللَّيْلِ» جوف الليل. قال ابن عباس: من أحبّ أن يهوّن الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه. وقيل: ما بين المغرب والعشاء. وقول الحسن عام. { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } قال سعيد بن جبير: أي عذاب الآخرة. { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي نعيم الجنة. وروي عن الحسن أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال: هذا مُتَمَنٍّ. ولا يقف على قوله: { رَحْمَةَ رَبِّهِ } من خفف «أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ» على معنى النداء لأن قوله: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } متصل إلا أن يقدر في الكلام حذف وهو أيسر، على ما تقدم بيانه. قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقال غيره: الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم. { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ } أي أصحاب العقول من المؤمنين.

PreviousNext
1