الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } * { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } * { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }

وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد:
إنّ الذبيح هُدِيتَ إسمعيلُ   نَطقَ الكتابُ بِذاك والتنزيلُ
شرفٌ به خصّ الإلٰهُ نبيَّنا   وأتى به التفسيرُ والتأويلُ
إن كنتَ أُمَّتَه فلا تُنْكِرْ لَهُ   شرفاً به قد خَصّه التفضيلُ
وعن الأصمعي قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح، فقال: يا أصمعي أين عَزَب عنك عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذبيح إسماعيل والأوّل أكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين. وٱحتجوا بأن اللّه عز وجل قد أخبر إبراهيم حين فارق قومه، فهاجر إلى الشام مع ٱمرأته سارّة وٱبن أخيه لوط فقال:إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الصافات: 99] أنه دعا فقال: «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» فقال تعالى:فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [مريم: 49] ولأن اللّه قال: «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» فذكر أن الفداء في الغلام الحليم الذي بُشِّر به إبراهيم وإنما بُشِّر بإسحاق لأنه قال: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } ، وقال هنا: «بِغُلامٍ حَلِيمٍ» وذلك قبل أن يتزوّج هاجر وقبل أن يولد له إسماعيل، وليس في القرآن أنه بُشر بولد إلا إسحاق. ٱحتج من قال إنه إسماعيل: بأن اللّه تعالى وصفه بالصبر دون إسحاق في قوله تعالى:وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الأنبياء: 85] وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله:إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } [مريم: 54] لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفّى به ولأن اللّه تعالى قال: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً } فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيًّا، وأيضاً فإن اللّه تعالى قال:فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [هود: 71] فكيف يؤمر بذبح إسحق قبل إنجاز الوعد في يعقوب. وإيضاً ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة، فدلّ على أن الذبيح إسماعيل، ولو كان إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس. وهذا الاستدلال كله ليس بقاطع أما قولهم: كيف يأمره بذبحه وقد وعده بأن يكون نبيّاً، فإنه يحتمل أن يكون المعنى: وبشرناه بنبوّته بعد أن كان من أمره ما كان قاله ٱبن عباس. وسيأتي. ولعله أُمِر بذبح إسحاق بعد أن ولد لإسحق يعقوب. ويقال: لم يرد في القرآن أن يعقوب يولد من إسحق. وأما قولهم: ولو كان الذبيح إسحق لكان الذبح يقع ببيت المقدس، فالجواب عنه ما قاله سعيد بن جبير على ما تقدّم. وقال الزجاج: اللّه أعلم أيهما الذبيح. وهذا مذهب ثالث. الثانية ـ قوله تعالى: { قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } قال مقاتل: رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات. وقال محمد بن كعب: كانت الرسل يأتيهم الوحي من اللّه تعالى أيقاظاً ورقوداً، فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم.

PreviousNext
1 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد