الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

ورُوي عن ٱبن عباس «بما وضعتِ» بكسر التاء، أي قيل لها هذا. السابعة: قوله تعالى: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } ٱستدل به بعض الشافعية على أن المطاوعة في نهار رمضان لزوجها على الوطء لا تساويه في وجوب الكفارة عليها، ٱبنُ العربيّ، وهذه منه غفلة، فإن هذا خبر عن شرع من قبلنا وهم لا يقولون به، وهذه الصالحة إنما قصدت بكلامها ما تشهد له به بيّنة حالها ومَقْطع كلامها، فإنها نذرت خدمة المسجد في ولدها، فلما رأته أُنثى لا تصلح وأنها عورة ٱعتذرت إلى ربّها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها. ولم ينصرف «مريم» لأنه مؤنث معرفة، وهو أيضاً أعجمي قاله النحاس. والله تعالى أعلم. الثامنة: قوله تعالى: { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } يعني خادم الربّ في لغتهم. { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } يعني مريم. { وَذُرِّيَّتَهَا } يعني عيسى. وهذا يدلّ على أن الذرّيَّة قد تقع على الولد خاصّة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود يولد إلا نَخَسه الشيطان فيستهلّ صارخاً من نخسه الشيطان إلا ٱبن مريم وأُمّه " ثم قال أبو هريرة: ٱقرءوا إن شئتم { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }. قال علماؤنا: فأفاد هذا الحديثُ أن الله تعالى ٱستجاب دعاء أُمّ مريم، فإن الشيطان ينخَس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وٱبنها. قال قتادة: كل مولود يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى وأُمّه جُعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ لهما منه شيء، قال علماؤنا: وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية بهما، ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك ظنّ فاسد فكم تعرّض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك فعصمهم الله مما يَرُومه الشيطان، كما قال تعالى:إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الحجر: 42]. هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وُكِلّ به قَرِينه من الشياطين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَرْيَمُ وَٱبْنُها وإن عُصِما من نخسه فلم يُعْصما من ملازمته لهما ومقارنته. والله أعلم.

PreviousNext
1 2