الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

والعفريت من الشياطين القوي المارد. والتاء زائدة. وقد قالوا: تَعَفْرَتَ الرجل إذا تخلق بخلق الأذاية. وقال وهب بن منبّه: اسم هذا العفريت كودن ذكره النحاس. وقيل: ذكوان ذكره السُّهيلي. وقال شعيب الجُبّائي: اسمه دعوان. وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني. ومن هذا الاسم قول ذي الرُّمَّة:
كأنّه كوكبٌ في إِثْرِ عِفْريةٍ   مُصَوَّبٌ في سوادِ الليل مُنْقَضِبُ
وأنشد الكسائي:
إذ قال شيطانُهُمُ العِفريتُ   ليس لكمْ مُلكٌ ولا تثبِيتُ
وفي «الصحيح» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عفريتاً من الجن جعل يَفْتِك عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاةَ وإنّ الله أمكنني منه فَدَعَتُّه " وذكر الحديث. وفي البخاري " تَفلّت علي البارحةَ " مكان «جعل يَفْتِك». وفي «الموطأ» عن يحيـى بن سعيد أنه قال: أُسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال جبريل: أفلا أعلِّمك كلماتٍ تقولهنّ إذا قلتهنّ طُفِئت شعلته وخَرّ لفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى» فقال: «أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء وشرّ ما يَعرُج فيها وشرّ ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها ومن فِتَن الليل والنهار ومن طوارقِ الليل والنهار إلا طارقاً يَطرُق بخيرٍ يا رحمن». قوله تعالى: { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } يعني في مجلسه الذي يحكم فيه. { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أي قويٌّ على حمله. { أَمِينٌ } على ما فيه. ابن عباس: أمين على فرج المرأة ذكره المهدوي. فقال سليمان أريد أسرع من ذلك فـ { ـقَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صدّيقاً يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أَعْطى، وإذا دعي به أجاب. وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حيّ يا قيوُّم " قيل: وهو بلسانهم، أهيا شراهيا وقال الزهري: دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم يا إلٰهنا وإلٰه كل شيء إلٰهاً واحداً لا إلٰه إلا أنت ايتني بعرشها فمثُلَ بين يديه. وقال مجاهد: دعا فقال: يا إلٰهنا وإلٰه كل شيء يا ذا الجلال والإكرام. قال السُّهَيليّ: الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى. وقيل: هو سليمان نفسه ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل.

PreviousNext
1 2 4 5