الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

فإن قيل: هذا الحديث لا يصحّ عند أهل النقل لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها وهو ممن لا يحتج بحديثه. وعلى تقدير صحته فإن ذلك منه عليه السلام تغليظ على أزواجه لحرمتهن كما غلظ عليهن أمر الحجاب كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة. ويبقى معنى الحديث الصحيح الثابت وهو " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تعتدّ في بيت أمّ شَريك ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أمّ مَكْتُوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ولا يراك» " قلنا: قد استدلّ بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع من المرأة كالرأس ومعلّق القُرْط وأما العورة فلا. فعلى هذا يكون مخصصاً لعموم قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } ، وتكون «من» للتبعيض كما هي في الآية قبلها. قال ابن العربي: وإنما أمرها بالانتقال من بيت أمّ شَريك إلى بيت ابن أمّ مكتوم لأن ذلك أوْلى بها من بقائها في بيت أمّ شريك إذ كانت أمّ شريك مؤثرة بكثرة الداخل إليها، فيكثر الرائي لها، وفي بيت ابن أمّ مكتوم لا يراها أحد فكان إمساك بصرها عنه أقرب من ذلك وأوْلى، فرخص لها في ذلك، والله أعلم. الثالثة: أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حذاراً من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة واختلف الناس في قدر ذلك فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب. وزاد ابن جبير الوجه. وقال سعيد بن جبير أيضاً وعطاء والأوزاعِيّ: الوجه والكفان والثياب. وقال ابن عباس وقتادة والمِسْوَر بن مَخْرَمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسّوار والخِضاب إلى نصف الذراع والقِرطة والفَتَخ ونحو هذا فمباح أن تُبدِيه المرأة لكل من دخل عليها من الناس. وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر آخرَ عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركَت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا " وقبض على نصف الذراع. قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تُبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بدّ منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. فـ«ـما ظهر» على هذا الوجه مما تؤدّي إليه الضرورة في النساء فهو المعفوّ عنه.

PreviousNext
1 3 4 5 6 7 8 9