الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

وقال إبراهيم النَّخَعِيّ نحوه. وفي مصنَّف أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينكح الزاني المحدودُ إلا مثله " وروي أن محدوداً تزوّج غير محدودة ففرّق عليّ رضي الله عنه بينهما. قال ابن العربي: وهذا معنًى لا يصح نظراً كما لم يثبت نقلاً، وهل يصح أن يوقف نكاح من حُدّ من الرجال على نكاح من حُدّ من النساء! فبأيّ أثر يكون ذلك، وعلى أيّ أصل يقاس من الشريعة! قلت: وحكى هذا القول الكِيَا عن بعض أصحاب الشافعي المتأخرين، وأن الزاني إذا تزوج غير زانية فُرّق بينهما لظاهر الآية. قال الكِيَا: وإنْ هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوّز للزاني التزوّج بالمشركة، ويجوّز للزانية أن تزوّج نفسها من مشرك وهذا في غاية البعد، وهو خروج عن الإسلام بالكلية، وربما قال هؤلاء: إن الآية منسوخة في المشرك خاصّةً دون الزانية. السادس: أنها منسوخة روى مالك عن يحيـى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } قال: نسخت هذه الآية التي بعدهاوَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } [النور: 32] وقاله ابن عمرو، قال: دخلت الزانية في أيامَى المسلمين. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول عليه أكثر العلماء. وأهل الفُتْيا يقولون: إنّ من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوّجها. وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك بن أنس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال الشافعيّ: القول فيها كما قال سعيد بن المسيّب، إن شاء الله هي منسوخة. قال ابن عطية: وذِكْر الإشراك في هذه الآية يضعف هذه المناحي. قال ابن العربيّ: والذي عندي أن النكاح لا يخلو أن يراد به الوطء كما قال ابن عباس أو العقد فإن أريد به الوطء فإن معناه: لا يكون زنًى إلا بزانية، وذلك عبارة عن أن الوطأين من الرجل والمرأة من الجهتين ويكون تقدير الآية: وطءُ الزانية لا يقع إلا من زان أو مشرك وهذا يؤثر عن ابن عباس، وهو معنى صحيح. فإن قيل: فإن زنى بالغٌ بصبية، أو عاقلٌ بمجنونة، أو مستيقظٌ بنائمة فإن ذلك من جهة الرجل زنًى فهذا زانٍ نكح غير زانية، فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم. قلنا: هو زنًى من كل جهة، إلا أن أحدهما سقط فيه الحدّ والآخر ثبت فيه. وإن أريد به العقد كان معناه: أن متزوّج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني، إلا أنه لا حدّ عليه لاختلاف العلماء في ذلك. وأما إذا عقد عليها ولم يدخل بها حتى يستبرئها فذلك جائز إجماعاً. وقيل: ليس المراد في الآية أن الزاني لا ينكح قطّ إلا زانية إذ قد يتصوّر أن يتزوّج غير زانية، ولكن المعنى أن من تزوج بزانية فهو زان فكأنه قال: لا ينكح الزانيةَ إلا زانٍ فقلَب الكلام، وذلك أنه لا ينكح الزانية إلا وهو راض بزناها، وإنما يرضى بذلك إذا كان هو أيضاً يزني.

PreviousNext
1 3