الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

فيه سبع مسائل: الأولى: اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أوجه من التأويل: الأوّل: أن يكون مقصد الآية تشنيع الزنى وتبشيعَ أمره، وأنه محرّم على المؤمنين. واتصال هذا المعنى بما قبلُ حسن بليغ. ويريد بقوله «لا يَنْكِح» أي لا يطأ فيكون النكاح بمعنى الجماع. وردّد القصة مبالغة وأخذاً من كِلاَ الطرفين، ثم زاد تقسيم المشركة والمشرك من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنى فالمعنى: الزاني لا يطأ في وقت زناه إلا زانية من المسلمين، أو من هي أحسن منها من المشركات. وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية الوطء. وأنكر ذلك الزجاج وقال: لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج. وليس كما قال وفي القرآنحَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } [البقرة: 230] وقد بيّنه النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه بمعنى الوطء، وقد تقدّم في «البقرة». وذكر الطبريّ ما يَنْحُو إلى هذا التأويل عن سعيد بن جبير وابن عباس وعكرمة، ولكن غير مخلص ولا مكمل. وحكاه الخطابيّ عن ابن عباس، وأن معناه الوطء أي لا يكون زِنًى إلا بزانية، ويفيد أنه زنًى في الجهتين فهذا قول. الثاني: ما رواه أبو داود والتّرمذِيّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن مَرْثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بَغِيّ يقال لها «عَناق» وكانت صديقته، قال: فجئت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكِح عَناق؟ قال: فسكت عني فنزلت { وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } فدعاني فقرأها عليّ وقال: «لا تنكحها». لفظ أبي داود، وحديث الترمذي أكمل. قال الخطابيّ: هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة، فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها لا يفسخ. الثالث: أنها مخصوصة في رجل من المسلمين أيضاً استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة يقال لها «أم مهزول» وكانت من بغايا الزانيات، وشرطت أن تنفق عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية قاله عمرو بن العاص ومجاهد. الرابع: أنها نزلت في أهل الصُّفّة، وكانوا قوماً من المهاجرين، ولم يكن لهم في المدينة مساكن ولا عشائر فنزلوا صُفّة المسجد، وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصّفة بالليل، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور، مخاصيب بالكُسْوة والطعام فهمّ أهل الصفة أن يتزوّجوهنّ فيأووا إلى مساكنهنّ ويأكلوا من طعامهنّ وكسوتهنّ فنزلت هذه الآية صيانةً لهم عن ذلك قاله ابن أبي صالح. الخامس: ذكره الزجاج وغيره عن الحسن، وذلك أنه قال: المراد الزاني المحدودُ والزانيةُ المحدودة، قال: وهذا حكم من الله، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوّج إلا محدودة.

السابقالتالي
2 3