الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } * { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } أي عبثاً وباطلاً بل للتنبيه على أن لها خالقاً قادراً يجب امتثال أمره، وأنه يجازي المسيء والمحسن أي ما خلقنا السماء والأرض ليظلم بعض الناس بعضاً، ويكفر بعضهم، ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا ولا يجازوا، ولا يؤمروا في الدنيا بحسن ولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم ضده الحكمة. قوله تعالى: { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } لما اعتقد قوم أن له ولداً قال: { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } واللهو المرأة بلغة اليمن قاله قتادة. وقال عقبة بن أبي جَسْرَة ـ وجاء طاوس وعطاء ومجاهد يسألونه عن قوله تعالى: { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } ـ فقال: اللهو الزوجة وقاله الحسن. وقال ابن عباس: اللهو الولد وقاله الحسن أيضاً. قال الجوهري: وقد يكنى باللهو عن الجماع. قلت: ومنه قول امرىء القيس:
أَلاَ زَعمتْ بَسْبَاسَةُ اليومَ أَنَّنِي   كَبِرتُ وأَلاَّ يُحسِنَ اللَّهْوَ أَمثالِي
وإنما سمي الجماع لهوا لأنه ملهى للقلب، كما قال:
فيهِنّ مَلْهًى للصديق ومَنْظَرُ   
الجوهري: وقوله تعالى: { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } قالوا امرأة، ويقال: ولداً. { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } أي من عندنا لا من عندكم. قال ابن جريج: من أهل السماء لا من أهل الأرض. قيل: أراد الرد على من قال إن الأصنام بنات الله أي كيف يكون منحوتكم ولداً لنا. وقال ابن قتيبة: الآية رد على النصارى. { إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } قال قتادة ومقاتل وابن جريج والحسن: المعنى ما كنا فاعلين مثلإِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } [فاطر: 23] أي ما أنت إلا نذير. و«إن» بمعنى الجحد وتم الكلام عند قوله: { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ }. وقيل: إنه على معنى الشرط أي إن كنا فاعلين ذلك ولكن لسنا بفاعلين ذلك لاستحالة أن يكون لنا ولد إذ لو كان ذلك لم نخلق جنة ولا ناراً ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً. وقيل: لو أردنا أن نتخذ ولداً على طريق التبني لاتخذناه من عندنا من الملائكة. ومال إلى هذا قوم لأن الإرادة قد تتعلق بالتبني فأما اتخاذ الولد فهو محال، والإرادة لا تتعلق بالمستحيل ذكره القشيري. قوله تعالى: { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ } القذف الرمي أي نرمي بالحق على الباطل. { فَيَدْمَغُهُ } أي يقهره ويهلكه. وأصل الدمغ شجّ الرأس حتى يبلغ الدماغ، ومنه الدامغة. والحق هنا القرآن، والباطل الشيطان في قول مجاهد قال: كل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان. وقيل: الباطل كذبهم ووصفهم الله عز وجل بغير صفاته من الولد وغيره. وقيل: أراد بالحق الحجة، وبالباطل شبههم. وقيل: الحق المواعظ، والباطل المعاصي والمعنى متقارب. والقرآن يتضمن الحجة والموعظة. { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } أي هالك وتالف قاله قتادة. { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم الربّ بما لا يجوز وصفه. وقال ابن عباس: الويل واد في جهنم وقد تقدم. { مِمَّا تَصِفُونَ } أي مما تكذبون عن قتادة ومجاهد نظيره «سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ» أي بكذبهم. وقيل: مما تصفون الله به من المحال وهو اتخاذه سبحانه الولد.