الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } [البقرة: 230]. فالثالثة مذكورة في صلب هذا الخطاب، مفيدة للبَيْنُونة الموجِبَة للتحريم إلا بعد زوج فوجب حمل قوله: «أو تسريح بإحسان» على فائدة مجدّدة، وهو وقوع البينونة بالثنتين عند ٱنقضاء العدّة، وعلى أن المقصود من الآية بيان عدد الطلاق الموجِب للتحريم، ونسخ ما كان جائزاً من إيقاع الطلاق بلا عدد محصور فلو كان قوله: «أو تسريح بإحسان» هو الثالثة لما أبان عن المقصد في إيقاع التحريم بالثلاث إذ لو ٱقتصر عليه لما دل على وقوع البينونة المحرّمة لها إلا بعد زوج وإنما علم التحريم بقوله تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ }. فوجب ألا يكون معنى قوله: «أو تسريح بإسحان» الثالثة، ولو كان قوله: «أو تسريح بإحسان» الثالثة، كان قوله عقيب ذلك: «فإن طلقها» الرابعة لأن الفاء للتعقيب، وقد ٱقتضى طلاقاً مستقبلاً بعد ما تقدّم ذكره فثبت بذلك أن قوله تعالى: «أو تسريح بإحسان» هو تركها حتى تنقضي عدّتها. الخامسة ـ ترجم البخاريّ على هذه الآية «باب من أجاز الطلاق الثلاث بقوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وهذا إشارة منه إلى أن هذا التعديد إنما هو فُسْحَة لهم فمن ضيّق على نفسه لزمه. قال علماؤنا: وٱتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة وهو قول جمهور السلف، وشذّ طاوس وبعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة ويروى هذا عن محمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة. وقيل عنهما: لا يلزم منه شيء وهو قول مقاتل. ويحكى عن داود أنه قال لا يقع. والمشهور عن الحجاج بن أرطاة وجمهور السلف والأئمة أنه لازم واقع ثلاثاً. ولا فرق بين أن يوقع ثلاثاً مجتمعة في كلمة أو متفرّقة في كلمات فأما من ذهب إلى أنه لا يلزم منه شيء فٱحتج بدليل قوله تعالى:وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [البقرة: 228]. وهذا يعُمُّ كل مطلقة إلا ما خص منه وقد تقدّم. وقال: { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } والثالثة { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }. ومن طلق ثلاثاً في كلمة فلا يلزم إذ هو غير مذكور في القرآن. وأما من ذهب إلى أنه واقع واحدةً فٱستدل بأحاديث ثلاثةٍ: أحدها ـ حديث ٱبن عباس من رواية طاوس وأبي الصَّهْباء وعكرمة. وثانيها ـ حديث ٱبن عمر على رواية من روى أنه طلق ٱمرأته ثلاثاً، وأنه عليه السلام أمره برجعتها وٱحتسبت له واحدة. وثالثها ـ أن رُكَانَة طلق ٱمرأته ثلاثاً فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها والرجعة تقتضي وقوع واحدة. والجواب عن الأحاديث ما ذكره الطحاويّ أن سعيد بن جبير ومجاهداً وعطاء وعمرو بن دينار ومالك بن الحويرث ومحمد بن إياس بن البُكَيْر والنعمان بن أبي عياش رووا عن ٱبن عباس فيمن طلق ٱمرأته ثلاثاً أنه قد عصى ربه وبانت منه ٱمرأته، ولا ينكحها إلا بعد زوج وفيما رواه هؤلاء الأئمة عن ٱبن عباس مما يوافق الجماعة ما يدل على وهن رواية طاوس وغيره وما كان ٱبن عباس ليخالف الصحابة إلى رأي نفسه.

PreviousNext
1 2 4 5 6 7 8 9 10  مزيد