الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

الثامنة ـ أجمع العلماء على أن المطلق إذا قال بعد ٱنقضاء العدّة: إني كنت راجعتِك في العدّة وأنكرت أنّ القول قولها مع يمينها، ولا سبيل له إليها غير أن النعمان كان لا يرى يميناً في النكاح ولا في الرجعة وخالفه صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم. وكذلك إذا كانت الزوجة أمة وٱختلف المولى والجارية، والزوج يدِعي الرجعة في العدّة بعد ٱنقضاء العدّة وأنكرت فالقول قول الزوجة الأمةِ وإن كذبها مولاها هذا قول الشافعيّ وأبي ثور والنعمان. وقال يعقوب ومحمد: القول قول المولى وهو أحق بها. التاسعة ـ لفظ الردّ يقتضي زوال العصمة إلا أن علماءنا قالوا: إن الرجعية محرّمة الوطء فيكون الردّ عائداً إلى الحل. وقال الليث بن سعد وأبو حنيفة ومن قال بقولهما ـ في أن الرجعة محلِّلة الوطء: أن الطلاق فائدته تنقيص العدد الذي جعل له خاصة، وأن أحكام الزوجية باقية لم ينحل منها شيء ـ قالوا: وأحكام الزوجية وإن كانت باقية فالمرأة ما دامت في العدّة سائرة في سبيل الزوال بانقضاء العدّة فالرجعة ردّ عن هذه السبيل التي أخذت المرأة في سلوكها، وهذا ردّ مجازيّ، والردّ الذي حكمنا به ردّ حقيقيّ فإن هناك زوال مستنجزٍ وهو تحريم الوطء فوقع الردّ عنه حقيقة، والله أعلم. العاشرة ـ لفظ «أَحَقُّ» يطلق عند تعارض حقين، ويترجح أحدهما فالمعنى حق الزوج في مدّة التربص أحق من حقها بنفسها فإنها إنما تملك نفسها بعد ٱنقضاء العدّة ومثل هذا قوله عليه السلام: " الأيم أحق بنفسها من ولِيها " وقد تقدّم. الحادية عشرة ـ الرجل مندوب إلى المراجعة، ولكن إذا قصد الإصلاح بإصلاح حاله معها، وإزالة الوحشة بينهما، فأما إذا قصد الإضرار وتطويل العدّة والقطع بها عن الخلاص من رِبقة النكاح فمحرّم لقوله تعالى:وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } [البقرة: 231] ثم مَنْ فعل ذلك فالرجعة صحيحة، وإن ٱرتكب النهي وظلم نفسه ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلقنا عليه. قوله تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } فيه ثلاث مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى { وَلَهُنَّ } أي لهنّ من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهنّ ولهذا قال ٱبن عباس: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستَنْظِف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها عليّ لأن الله تعالى قال: { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي زينة من غير مأثم. وعنه أيضاً: أي لهنّ من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهنّ مثل الذي عليهنّ من الطاعة فيما أوجبه عليهنّ لأزواجهنّ. وقيل: إن لهنّ على أزواجهنّ ترك مضارّتهن كما كان ذلك عليهنّ لأزواجهنّ. قاله الطبريّ: وقال ٱبن زيد: تتقون الله فيهنّ كما عليهنّ أن يتقين الله عز وجل فيكم والمعنى متقارب.

PreviousNext
1 2 3 4 5 6 7 8 10