الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

فيه ثمان مسائل: الأولى: قوله تعالى: { سُبْحَانَ } «سبحان» اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجر منه فعل، ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين، تقول: سبّحت تسبيحاً وسُبحاناً، مثل كفّرت اليمين تكفيراً وكفراناً. ومعناه التنزيه والبراءة لله عز وجل من كل نقص. فهو ذكر عظيم لله تعالى لا يصلح لغيره فأما قول الشاعر:
أقول لمّا جاءني فَخْرهُ   سبحانَ مِن عَلْقَمةَ الفاخِرِ
فإنما ذكره على طريق النادر. وقد " روى طلحة بن عبيد الله الفَيّاض أحدُ العشرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما معنى سبحان الله؟ فقال: تنزيه الله من كل سوء " والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه، إذ لم يجر من لفظه فعل، وذلك مثل قعد القُرْفصاء، واشتمل الصَّمّاء فالتقدير عنده: أنزّه الله تنزيهاً فوقع «سبحان الله» مكان قولك تنزيهاً. الثانية: قوله تعالى: { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } «أسرى» فيه لغتان: سرى وأسرى كسقى وأسقى، كما تقدّم. قال:
أسْرتْ عليه من الجَوْزَاء سارِيَةٌ   تُزْجِي الشَّمال عليه جامدَ البَرَد
وقال آخر:
حَيِّ النَّضيرة ربة الخِدْرِ   أسْرَت إليّ ولم تكن تَسْري
فجمع بين اللغتين في البيتين. والإسراء: سير الليل يقال: سَرَيت مَسْرًى وسُرًى، وأسريت إسراء قال الشاعر:
وليلة ذات نَدًى سريتُ   ولم يَلِتْنِي من سُراها لَيْتُ
وقيل: أسرى سار من أوّل الليل، وسرى سار من آخره والأوّل أعرف. الثالثة: قوله تعالى: { بِعَبْدِهِ } قال العلماء: لو كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم اسم أشرفُ منه لسمّاه به في تلك الحالة العلية. وفي معناه أنشدوا:
يا قومِ قلبي عند زهراءِ   يعرفه السامع والرائي
لا تَدْعُنِي إلاّ بيا عبدها   فإنه أشرف أسمائي
وقد تقدّم. قال القُشَيْرِيّ: لما رفعه الله تعالى إلى حضرته السّنية، وأرقاه فوق الكواكب العلوية، ألزمه ٱسمَ العبودية تواضعاً للأمة. الرابعة: ثبت الإسراء في جميع مصنَّفات الحديث، ورُوي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه. وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابياً. روى الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتيت بالبراق وهو دابة أبيضُ طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طَرفه ـ قال ـ فركبته حتى أتيت بيت المقدس ـ قال ـ فربطته بالحَلْقة التي يَرْبِطُ بها الأنبياء ـ قال ـ ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترتَ الفِطْرة ـ قال ـ ثم عَرج بنا إلى السماء... " وذكر الحديث. ومما ليس في الصحيحين ما خرّجه الآجُرِّيّ والسَّمَرْقنْديّ، قال الآجري عن أبي سعيد الخُدْرِيّ في قوله تعالى { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } قال أبو سعيد: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلةِ أسْرِيَ به، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7