الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } * { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } * { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] ولم يكن نذيراً للبهائم. وقال الفرّاء وأبو عبيدة: العالَم عبارة عمن يعقل وهم أربع أمم: الإنس والجنّ والملائكة والشياطين. ولا يقال للبهائم: عالَم لأن هذا الجمع إنما هو جَمْع مَن يعقل خاصّة. قال الأعشى:
ما إنْ سمعتُ بمثلهم في العالَمينا   
وقال زيد بن أسلم: هم المرتزقون ونحوه قول أبي عمرو بن العلاء: هم الروحانيون. وهو معنى قول ٱبن عباس أيضاً: كل ذي رُوح دبّ على وجه الأرض. وقال وَهَب بن مُنَبّه: إن لله عزّ وجلّ ثمانية عشر ألف عالَم الدنيا عالَم منها. وقال أبو سعيد الخُدْرِي: إن لله أربعين ألف عالَم الدنيا مِن شرقها إلى غربها عالَمٌ واحد. وقال مقاتل: العالمُون ثمانون ألف عالَم، أربعون ألف عالَم في البر، وأربعون ألف عالم في البحر. وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: الجنّ عالم، والإنس عالَم وسوى ذلك للأرض أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمسمائة عالَم، خلقهم لعبادته. قلت: والقول الأوّل أصحّ هذه الأقوال لأنه شامل لكل مخلوق وموجود دليله قوله تعالى:قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } [الشعراء: 23]. ثم هو مأخوذ من العَلَم والعَلاَمة لأنه يدل على مُوجده. كذا قال الزجاج قال: العالَم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة. وقال الخليل: العَلَم والعَلاَمة والمَعْلَم: ما دَلّ على الشيء فالعالَم دالٌّ على أن له خالقاً ومدبراً، وهذا واضح. وقد ذُكر أن رجلاً قال بين يدي الجُنَيد: الحمد لله فقال له: أتمها كما قال الله، قل: رَبّ العالمين فقال الرجل: ومَن العالَمين حتى تذكر مع الحق؟ قال: قل يا أخي؟ فإن المحدَث إذا قُرن مع القديم لا يبقى له أثر. الثانية عشرة: يجوز الرفع والنصب في «ربّ» فالنصب على المدح، والرفع على القطع أي هو رب العالمين. الثالثة عشرة: قوله تعالى: { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وصف نفسه تعالى بعد { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، بأنه { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } لأنه لما كان في ٱتصافه بـ { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ترهيبٌ قَرَنه بـ { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ، لما تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه فيكون أعون على طاعته وأمنع كما قال:نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [الحجر: 49 ـ 50]. وقال:غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ } [غافر: 3]. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمِع بجنّته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنَطَ من جنّته أحد " وقد تقدّم ما في هذين الاسمين من المعاني، فلا معنى لإعادته. الرابعة عشرة: قوله تعالى: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قرأ محمد بن السَّمَيْقَع بنصب مالك وفيه أربع لغات: مالِك ومَلِك ومَلْك ـ مخففة من مَلِك ـ ومَلِيك قال الشاعر:

PreviousNext
1 2 3 4 5 7 8 9 10  مزيد