الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة والكسائي: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ } بغير ألف على الواحد، والباقون { كلمات } على الجمع، قال أهل المعاني، الكلمة والكلمات، معناهما ما جاء من وعد ووعيد وثواب وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له كما قال:مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } [قۤ: 29] فمن قرأ { كلمات } بالجمع قال: لأن معناها الجمع فوجب أن يجمع في اللفظ، ومن قرأ على الوحدة فلأنهم قالوا: الكلمة، قد يراد بها الكلمات الكثيرة إذا كانت مضبوطة بضابط واحد، كقولهم: قال زهير في كلمته: يعني قصيدته، وقال قس في كلمته، أي خطبته، فكذلك مجموع القرآن كلمة واحدة في كونه حقاً وصدقاً ومعجزاً. المسألة الثانية: أن تعلق هذه الآية بما قبلها أنه تعالى بين في الآية السابقة أن القرآن معجز، فذكر في هذه الآية أنه تمت كلمة ربك، والمراد بالكلمة ـ القرآن ـ أي تم القرآن في كونه معجزاً دالاً على صدق محمد عليه السلام، وقوله: { صِدْقاً وَعَدْلاً } أي تمت تماماً صدقاً وعدلاً، وقال أبو علي الفارسي: { صِدْقاً وَعَدْلاً } مصدران ينصبان على الحال من الكلمة تقديره صادقة عادلة، فهذا وجه تعلق هذه الآية بما قبلها. المسألة الثالثة: اعلم أن هذه الآية تدل على أن كلمة الله تعالى موصوفة بصفات كثيرة. فالصفة الأولى: كونها تامة وإليه الإشارة بقوله: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ } وفي تفسير هذا التمام وجوه: الأول: ما ذكرنا أنها كافية وافية بكونها معجزة دالة على صدق محمد عليه الصلاة والسلام، والثاني: أنها كافية في بيان ما يحتاج المكلفون إليه إلى قيام القيامة عملاً وعلماً، والثالث: أن حكم الله تعالى هو الذي حصل في الأزل، ولا يحدث بعد ذلك شيء، فذلك الذي حصل في الأزل هو التمام، والزيادة عليه ممتنعة، وهذا الوجه هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " الصفة الثانية: من صفات كلمة الله كونها صدقاً، والدليل عليه أن الكذب نقص والنقص على الله محال، ولا يجوز إثبات أن الكذب على الله محال بالدلائل السمعية، لأن صحة الدلائل السمعية موقوفة على أن الكذب على الله محال، فلو أثبتنا امتناع الكذب على الله بالدلائل السمعية لزم الدور وهو باطل. واعلم أن هذا الكلام كما يدل على أن الخلف في وعد الله تعالى محال فهو أيضاً يدل على أن الخلف في وعيده محال بخلاف ما قاله الواحدي في تفسير قوله تعالى:وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } [النساء: 93] إن الخلف في وعيد الله جائز، وذلك لأن وعد الله ووعيده كلمة الله، فلما دلت هذه الآية على أن كلمة الله يجب كونها موصوفة بالصدق على أن الخلف كما أنه ممتنع في الوعد فكذلك ممتنع في الوعيد.

السابقالتالي
2