الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ". والوجه الثاني في تأول الآية: ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما قالا قوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يكون هذا في آخر الزمان: قال ابن مسعود لما قرئت عليه هذه الآية ليس هذا بزمانها، ما دامت قلوبكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً ووكل كل امرىء ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية، وهذا القول عندي ضعيف، لأن قوله { ياأيهاَ ٱلَّذِينَ آمنوا } خطاب عام، وهو أيضاً خطاب مع الحاضرين فكيف يخرج الحاضر ويخص الغائب. والوجه الثالث في تأويل الآية: ما ذهب إليه عبد الله بن المبارك فقال: هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه قال: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يعني عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار، وهذا كقولهفَٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 54] يعني أهل دينكم فقوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يعني بأن يعظ بعضكم بعضاً ويرغب بعضكم بعضاً في الخيرات، وينفره عن القبائح والسيئات، والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } معناه احفظوا أنفسكم فكان ذلك أمراً بأن نحفظ أنفسنا فإن لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك واجباً. والوجه الرابع: أن الآية مخصوصة بالكفار الذين علم أنه لا ينفعهم الوعظ، ولا يتركون الكفر، بسبب الأمر بالمعروف، فهٰهنا لا يجب على الإنسان أن يأمرهم بالمعروف، والذي يؤكد هذا القول ما ذكرنا في سبب النزول أن الآية نازلة في المنافقين، حيث عيروا المسلمين بأخذ الجزية من أهل الكتاب دون المشركين. الوجه الخامس: أن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه أو على عرضه أو على ماله، فهٰهنا عليه نفسه لا تضره ضلالة من ضل ولا جهالة من جهل، وكان ابن شبرمة يقول: من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر. الوجه السادس: لا يضركم إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ضلال من ضل فلم يقبل ذلك. الوجه السابع: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا من ذلك فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم فلا يضركم ضلال غيركم.

PreviousNext
1 3