الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

أما قوله تعالى: { بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } فلفظة { مِنْ } ليست للتبعيض ههنا إذ لو كان كذلك لكان الله تعالى متجزئاً متبعضاً متحملاً للاجتماع والافتراق وكل من كان كذلك فهو محدث وتعالى الله عنه، بل المراد من كلمة { مِنْ } ههنا ابتداء الغاية وذلك لأن في حق عيسى عليه السلام لما لم تكن واسطة الأب موجودة صار تأثير كلمة الله تعالى في تكوينه وتخليقه أكمل وأظهر فكان كونه كلمة { ٱللَّهِ } مبدأ لظهوره ولحدوثه أكمل فكان المعنى لفظ ما ذكرناه لا ما يتوهمه النصارى والحلولية. وأما قوله تعالى: { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } ففيه سؤالات: السؤال الأول: المسيح: هل هو اسم مشتق، أو موضوع؟. والجواب: فيه قولان الأول: قال أبو عبيدة والليث: أصله بالعبرانية مشيحا، فعربته العرب وغيروا لفظه، وعيسى: أصله يشوع كما قالوا في موسى: أصله موشى، أو ميشا بالعبرانية، وعلى هذا القول لا يكون له اشتقاق. والقول الثاني: أنه مشتق وعليه الأكثرون، ثم ذكروا فيه وجوهاً الأول: قال ابن عباس: إنما سمي عيسى عليه السلام مسيحاً، لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة، إلا برىء من مرضه الثاني: قال أحمد بن يحيـى: سمي مسيحاً لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها، ومنه مساحة أقسام الأرض، وعلى هذا المعنى يجوز أن يقال: لعيسى مسيح بالتشديد على المبالغة كما يقال للرجل فسيق وشريب الثالث: أنه كان مسيحاً، لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى، فعلى هذه الأقوال: هو فعيل بمعنى: فاعل، كرحيم بمعنى: راحم الرابع: أنه مسح من الأوزار والآثام والخامس: سمي مسيحاً لأنه ما كان في قدمه خمص، فكان ممسوح القدمين والسادس: سمي مسيحاً لأنه كان ممسوحاً بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء، ولا يمسح به غيرهم، ثم قالوا: وهذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبياً السابع: سمي مسيحاً لأنه مسحه جبريل صلى الله عليه وسلم بجناحه وقت ولادته ليكون ذلك صوناً له عن مس الشيطان الثامن: سمي مسيحاً لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وعلى هذه الأقوال يكون المسيح، بمعنى: الممسوح، فعيل بمعنى: مفعول. قال أبو عمرو بن العلاء المسيح: الملك. وقال النخعي: المسيح الصديق والله أعلم. ولعلّهما قالا ذلك من جهة كونه مدحاً لا لدلالة اللغة عليه، وأما المسيح الدجال فإنما سمي مسيحاً لأحد وجهين أحدهما: لأنه ممسوح أحد العينين والثاني: أنه يمسح الأرض أي: يقطعها في المدة القليلة، قالوا: ولهذا قيل له: دجال لضربه في الأرض، وقطعه أكثر نواحيها، يقال: قد دجل الدجال إذا فعل ذلك، وقيل: سمي دجالاً من قوله: دجل الرجل إذا موه ولبس.

PreviousNext
1 2 4 5 6