الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }

المسألة الرابعة: قوله { لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ } فيه محذوف، والتقدير: يقولون لا نفرق بين أحد من رسله كقولهوَٱلْمَلَـٰئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ } [الأنعام: 93] معناه يقولون: أخرجوا وقال:وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ } [الزمر: 3] أي قالوا هذا. المسألة الخامسة: قرأ أبو عمرو { يُفْرَقُ } بالياء على أن الفعل لكل، وقرأ عبد الله { لا يَفْرَقُونَ }. المسألة السادسة: أحد في معنى الجمع، كقولهفَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ } [الحاقة: 47] والتقدير: لا نفرق بين جميع رسله، هذا هو الذي قالوه، وعندي أنه لا يجوز أن يكون أحد ههنا في معنى الجمع، لأنه يصير التقدير: لا نفرق بين جميع رسله، وهذا لا ينافي كونهم مفرقين بين بعض الرسل والمقصود بالنفي هو هذا، لأن اليهود والنصارى ما كانوا يفرقون بين كل الرسل، بل بين البعض وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فثبت أن التأويل الذي ذكروه باطل، بل معنى الآية: لا نفرق بين أحد من الرسل، وبين غيره في النبوّة، فإذا فسرنا بهذا حصل المقصود من الكلام، والله أعلم. ثم قال الله تعالى: { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }. وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: الكلام في نظم هذه الآية من وجوه الأول: وهو أن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، واستكمال القوة النظرية بالعلم، واستكمال القوة العملية بفعل الخيرات، والقوة النظرية أشرف من القوة العملية، والقرآن مملوء من ذكرهما بشرط أن تكون القوة النظرية مقدمة على العملية قال عن إبراهيمرَبّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } [الشعراء: 83] فالحكم كمال القوة النظرية { وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } كمال القوة العملية، وقد أطنبنا في شواهد هذا المعنى من القرآن فيما تقدم من هذا الكتاب. إذا عرفت هذا فنقول: الأمر في هذه الآية أيضاً كذلك، فقوله { كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ } إشارة إلى استكمال القوة النظرية بهذه المعارف الشريفة وقوله { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } إشارة إلى استكمال القوة العملية الإنسانية بهذه الأعمال الفاضلة الكاملة، ومن وقف على هذه النكتة علم اشتمال القرآن على أسرار عجيبة غفل عنها الأكثرون. والوجه الثاني: من النظم في هذه الآية أن للإنسان أياماً ثلاثة: الأمس والبحث عنه يسمى بمعرفة المبدأ واليوم الحاضر، والبحث عنه يسمى بعلم الوسط، والغد والبحث عنه يسمى بعلم المعاد والقرآن مشتمل على رعاية هذه المراتب الثلاثة قال في آخر سورة هودوَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ }

PreviousNext
1 2 3 4 5 6 7 9 10  مزيد