الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }

اعلم أن هذا هو القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة وههنا مسائل: المسألة الأولى: قال النحويون: دخلت كلمة «قد» ههنا لأن السامع لقصص الأنبياء عليهم السلام يتوقع قصة بعد قصة، وقد للتوقع، ودخت اللام في «لقد» لتأكيد الخبر، ولفظ { رُسُلُنَا } جمع وأقله ثلاثة فهذا يفيد القطع بحصول ثلاثة، وأما الزائد على هذا العدد فلا سبيل إلى إثباته إلا بدليل آخر، وأجمعوا على أن الأصل فيهم كان جبريل عليه السلام، ثم اختلفت الروايات فقيل: أتاه جبريل عليه السلام ومعه اثنا عشر ملكاً على صورة الغلمان الذين يكونون في غاية الحسن وقال الضحاك كانوا تسعة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، وهم الذين ذكرهم الله في سورة والذاريات في قوله:هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرٰهِيمَ } [الذاريات: 24] وفي الحجروَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [الحجر: 51]. المسألة الثانية: اختلفوا في المراد بالبشرى على وجهين: الأول: أن المراد ما بشره الله بعد ذلك بقوله: { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } الثاني: أن المراد منه أنه بشر إبراهيم عليه السلام بسلامة لوط وبإهلاك قومه. وأما قوله: { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكساني { قَالُواْ سلام قَالَ سَلَـٰمٌ } بكسر السين وسكون اللام بغير ألف، وفي والذاريات مثله. قال الفراء: لا فرق بين القراءتين كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام لأن في التفسير أنهم لما جاؤا سلموا عليه. قال أبو علي الفارسي: ويحتمل أن يكون سلم خلاف العدو والحرب كأنهم لما امتنعوا من تناول ما قدمه إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة قال إنا سلم ولست بحرب ولا عدو فلا تمتنعوا من تناول طعامي كما يمتنع من تناول طعام العدو، وهذا الوجه عندي بعيد، لأن على هذا التقدير ينبغي أن يكون تكلم إبراهيم عليه السلام بهذا اللفظ بعد إحضار الطعام، إلا أن القرآن يدل على أن هذا الكلام إنما وجد قبل إحضار الطعام لأنه تعالى قال: { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } [هود: 69] والفاء للتعقيب، فدل ذلك على أن مجيئه بذلك العجل الحنيذ كان بعد ذكر السلام. المسألة الثانية: قالوا سلاماً تقديره: سلمنا عليك سلاماً قال سلام تقديره: أمري سلام، أي لست مريداً غير السلامة والصلح. قال الواحدي: ويحتمل أن يكون المراد: سلام عليكم، فجاء به مرفوعاً حكاية لقوله كما قال: وحذف عنه الخبر كما حذف من قوله:فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [يوسف: 18] وإنما يحسن هذا الحذف إذا كان المقصود معلوماً بعد الحذف، وههنا المقصود معلوم فلا جرم حسن الحذف، ونظيره قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4