الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

يقول الحق جل جلاله للمؤمنين: { قاتِلوا } أهل الكتاب من اليهود والنصارى { الذين لا يؤمنون بالله } على ما يجب له، لإشراكهم عُزير وعيسى، ولتجسيمهم، { ولا باليوم الآخر } لأنهم ينكرون المعاد الجسماني، فإيمانهم في الجانبين كلا إيمان { ولا يحرِّمون ما حرَّمَ الله ورسولُه } محمّد صلى الله عليه وسلم لأنهم يحلون الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير، وغير ذلك مما حرمته الشريعة المحمدية، { ولا يَدينونَ دينَ الحق } أي: لا يدخلون في الإسلام، الذي هو الدين الحق، الناسخ لسائر الأديان ومبطلها. ثم بيَّن الذين أّمر اللَّهُ بقتالهم بقوله: { من الذين أوتوا الكتاب } وهم اليهود والنصارى، وحين نزلت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك لقتال النصارى، ووصل إلى أوائل بلد العدو، فصالح أهل أدرج وأيلة، وغيرهما، على الجزية وانصرف، ذلك امتثال للآية. قال تعالى: { حتى يُعطوا الجزبة } أي: ما تقرر عليهم أن يعطوه، وقدْرها عند مالك: أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهماً على أهل الورق، يؤخذ ذلك من كل رأس، واتفق العلماء على قبول الجزية من اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس لقوله صلى الله عليه وسلم: " سُنُّوا بِهِمْ سُنًّةَ أَهْلِ الكتاب " لأن لهم شبهة كتاب، فألحقوا بهم. واختلفوا في قبولها من عَبدة الأوثان قال مالك: تؤخذ من كل كافر إلا المرتد، ولا تؤخذ من النساء والصبيان والمجانين. وقوله تعالى: { عن يدٍ } أي: يباشر إعطاءها بيده، لا يبعثها مع أحد، أو لا يمطل بها، كقولك: يداً بيد، أو عن استسلام وانقياد، كقولك: ألقى فلان بيده. { وهم صاغرون } أذلاء محقرون. وعن ابن عباس رضي الله عنه: تؤخذ الجزية من الذمي، وتوجأ عنقه، أي: تصفع. الإشارة: يؤمر المريد بقتل نفسه وحظوظه وهواه، وأعظمها: حب الدنيا والرئاسة والجاه، ولا يزال يخالف هواها، ويعكس مراداتها، ويحملها ما يثقل عليها، حتى تنقاد إليه بالكلية، بحيث لا يثقل عليه شيء، ويستوي عندها العز والذل، والفقر والغنى، والمدح والذم، والمنع والعطاء، والفقد والوجد، فإن استوت عندها الأحوال فقد أسلمت وأعطت ما يجب عليها، فيجب حفظها ورعايتها، وتصديقها فيما يرد عليها. وبالله التوفيق. ثم ذكر الباعث على جهاد أهل الكتاب، وهو فساد اعتقادهم، فقال: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }.