الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

ولما ذكر سبحانه الكتابين، ذكر ختامهما وتمامهما، وهو ما أنزل إلى هذا النبي الأمي من الفرقان الشاهد على جميع الكتب التي قبله، فقال تعالى: { وأنزلنا } أي بعظمتنا { إليك } أي خاصة { الكتاب } أي الكامل في جمعه لكل ما يطلب منه وهو القرآن { بالحق } أي الكامل الذي لا يحتاج إلى شيء يتمه، ثم مدحه بمدح الأنبياء الذين تقدموه فقالك { مصدقاً لما بين يديه } أي تقدمه.

ولما كانت الكتب السماوية من شدة تصادقها كالشيء الواحد، عبر بالمفرد لإفادته ما يفيد الجمع وزيادة دلالة على ذلك فقال: { من الكتاب } أي الذي جاء به الأنبياء من قبل { ومهيمناً } أي شاهداً حفيظاً مصدقاً وأميناً رقيباً { عليه } أي على كل كتاب تقدمه - كما قاله البخاري في أول الفضائل من الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي هذه الصفة بشارة لحفظه سبحانه لكتابنا حتى لا يزال بصفة الشهادة، فإن الله تعالى استحفظهم كتبهم فعجزوا عنها، فحرفها محرفوهم وأسقطوا منها وأسقط مسرفوهم، فتكفل هو سبحانه بحفظ كتابنا فكان قيماً عليها، فما كان فيها موافقاً له فهو حق، وما كان فيها مخالفاً فهو إما منسوخ أو مبدل فلا يعبر، بل يحكم بما في كتابنا لأنه ناسخ لجميع الكتب، والآتي به مرسل إلى جميع العالمين، فملته ناسخة لجميع الملل، فأنتج هذا وجوب الحكم بما فيه على المؤالف والمخالف بشرطه؛ فلذا قال مسبباً عما قبله: { فاحكم بينهم } أي بين جميع أهل الكتب، فغيرهم من باب الأولى { بما أنزل الله } أي الملك الذي له الأمر كله إليك في هذا الكتاب الناسخ لكتبهم المهيمن عليها في إثبات ما أسقطوه منها من أمرهم باتباعك ونحو ذلك من أوصافك { ولا تتبع أهواءهم } فيما خالفه منحرفين { عما جاءك } وبينه بقوله: { من الحق }.

PreviousNext
1 2 4