الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } * { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }

{ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء } لأنه لم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه، وبعد الجبابرة ملكهم ولأنّ الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء. وقيل كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله، فسمِّي إنقاذهم ملكاً. وقيل الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار. وقيل من له بيت وخدم. وقيل من له مال لا يحتاج معه إلى تكلّف الأعمال وتحمل المشاق { مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } من فلق البحر، وإغراق العدوّ، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الأمور العظام، وقيل أراد عالمي زمانهم { الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } يعني أرض بيت المقدس. وقيل الطور وما حوله. وقيل الشام. وقيل فلسطين ودمشق وبعض الأردن. وقيل سمَّاها الله لإبراهيم ميراثاً لولده حين رفع على الجبل، فقيل له انظر، فلك ما أدرك بصرك، وكان بيت المقدس قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين { كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } قسمها لكم وسماها، أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ } ولا تنكصوا على أعقابكم مدبرين من خوف الجبابرة جبناً وهلعاً، وقيل لما حدثهم النقباء بحال الجبابرة رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا ليتنا متنا بمصر. وقالوا تعالوا نجعل علينا رأساً ينصرف بنا إلى مصر. ويجوز أن يراد لا ترتدوا على أدباركم في دينكم بمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة. الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد { قَالَ رَجُلاَنِ } هما كالب ويوشع { مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ } من الذين يخافون الله ويخشونه، كأنه قيل رجلان من المتقين. ويجوز أن تكون الواو لبني إسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف تقديره من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون، وهما رجلان منهم { أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالإيمان فآمنا، قالا لهم إن العمالقة أجسام لا قلوب فيها، فلا تخافوهم وازحفوا إليهم فإنكم غالبوهم يشجعانهم على قتالهم. وقراءة من قرأ «يخافون» بالضم شاهدة له، وكذلك أنعم الله عليهما، كأنه قيل من المخوفين. وقيل هو من الإخافة، ومعناه من الذين يخوفون من الله بالتذكرة والموعظة. أو يخوّفهم وعيد الله بالعقاب. فإن قلت ما محل أنعم الله عليهما؟ قلت إن انتظم مع قوله من الذين يخافون في حكم الوصف لرجلان فمرفوع، وإن جعل كلاماً معترضاً فلا محلّ له. فإن قلت من أين علما أنهم غالبون؟ قلت من جهة إخبار موسى بذلك. وقوله تعالى { كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } وقيل من جهة غلبة الظن وما تبينا من عادة الله في نصرة رسله، وما عهدا من صنع الله لموسى في قهر أعدائه، وما عرفا من حال الجبابرة.

السابقالتالي
2