الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } * { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } * { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }

وروي أن قوماً، منهم أبيّ بن كعب وخلاد بن النعمان، لما سمعوا قوله:والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } [البقرة: 228] قالوا: يا رسول الله، فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر؟ فنزلت هذه الآية، فقال قائل: فما عدة الحامل؟ فنزلت { أولات الأحمال }. وقرأ الجمهور: { يئسن } فعلاً ماضياً. وقرىء: بياءين مضارعاً، ومعنى { إن ارتبتم } في أنها يئست أم لا، لأجل مكان ظهور الحمل، وإن كان انقطع دمها. وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس، أهو دم حيض أو استحاضة؟ وإذا كانت هذه عدة المرتاب بها، فغير المرتاب بها أولى بذلك. وقدر بعضهم مبلغ اليأس بستين سنة، وبعضهم بخمس وخمسين. وقيل: غالب سن يأس عشيرة المرأة. وقيل: أقصى عادة امرأة في العالم. وقال مجاهد: الآية واردة في المستحاضة أطبق بها الدم، لا ندري أهو دم حيض أو دم علة. وقيل: { إن ارتبتم }: شككتم في حالهن وحكمهن فلم تدروا ما حكمهن، فالحكم أن عدتهن ثلاثة أشهر. واختار الطبري أن معنى { إن ارتبتم }: شككتم فلم تدروا ما الحكم، فقيل: { إن ارتبتم }: أي إن تيقنتم إياسهن، وهو من الأضداد. وقال الزجاج: المعنى إن ارتبتم في حيضها، وقد انقطع عنها الدم، وكانت مما يحيض مثلها. وقال مجاهد أيضاً: { إن ارتبتم } هو للمخاطبين، أي إن لم تعلموا عدة الآيسة، { واللائي لم يحضن } ، فالعدة هذه، فتلخص في قوله: { إن ارتبتم } قولان: أحدهما، أنه على ظاهر مفهوم اللغة فيه، وهو حصول الشك؛ والآخر، أن معناه التيقن للإياس؛ والقول الأول معناه: إن ارتبتم في دمها، أهو دم حيض أو دم علة؟ أو إن ارتبتم في علوق بحمل أم لا؛ أو إن ارتبتم: أي جهلتم عدتهن، أقوال. والظاهر أن قوله: { واللائي لم يحضن } يشمل من لم يحض لصغر، ومن لا يكون لها حيض البتة، وهو موجود في النساء، وهو أنها تعيش إلى أن تموت ولا تحيض. ومن أتى عليها زمان الحيض وما بلغت به ولم تحض فقيل: هذه تعتد سنة. { واللائي لم يحضن } معطوف على { واللائي يئسن } ، فإعرابه مبتدأ كإعراب { واللائي يئسن } ، وقدروا خبره جملة من جنس خبر الأول، أي عدتهن ثلاثة أشهر، والأولى أن يقدر مثل أولئك أو كذلك، فيكون المقدر مفرداً جملة. { وأولات الأحمال } عام في المطلقة وفي المتوفي عنها زوجها، وهو قول عمر وابن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وفقهاء الأمصار. وقال علي وابن عباس: { وأولات الأحمال } في المطلقات، وأما المتوفي عنها فعدتها أقصى الأجلين، فلو وضعت قبل أربعة أشهر وعشر صبرت إلى آخرها، والحجة عليها حديث سبيعة. وقال ابن مسعود: من شاء لاعنته، ما نزلت { وأولات الأحمال } إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها.

السابقالتالي
2 3