الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

وقيل: المهيمن الأمين. وإنما كان القرآن أميناً على الكتب التي قبله فيما أخبر أهل الكتب عن كتبهم فإن قالوا ذلك فى القرآن فقد صدقوا وإلا فلا { فاحكم بينهم بما أنزل الله } يعني: إذا ترافع أهل الكتاب إليك يا محمد فاحكم بينهم بالقرآن الذي أنزل الله إليك { ولا تتبع أهواءهم } يعني: ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود فى الحكم وقال ابن عباس لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن { عما جاءك من الحق } يعني ولا تنحرف عن الحق الذي جاءك من عند الله متبعاً أهواءهم، وقوله: ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق وإن كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم لكن المراد به غير لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتبع أهواءهم قط. وقوله تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } الخطاب فى قوله منكم للأمم الثلاثة أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين بدليل أن الله عز وجل قال قبل هذهإنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } [المائدة: 44] ثم قال بعد ذلك { وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم } ثم قال { وأنزلنا إليك الكتاب } ثم جمع فقال { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } والشرعة: الشريعة. يعني لكل أمة شريعة فللتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة والدين واحد وهو التوحيد. وأصل الشريعة من الشرع وهو البيان والإظهار فمعنى شرع بيَّن وأوضح. وقيل: هو من الشروع في الشيء. والشريعة في كلام العرب، المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون ويسقون منها. وقيل: الشريعة الطريقة ثم استعير ذلك للطريقة الإلهية المؤدية إلى الدين والمنهاج الطريق الواضح وقال بعضهم الشريعة والمنهاج عبارتان عن معنى واحد والتكرير للتأكيد والمراد بهما: الدين وقال آخرون: بينهما فرق لطيف وهو أن الشريعة هي التي أمر الله بها عباده. والمنهاج: الطريق الواضح المؤدي إلى الشريعة. قال ابن عباس: في قوله شرعة ومنهاجاً سنة وسبيلاً. وقال قتادة: سبيلاً وسنة فالسنن مختلفة للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة يحل الله عز وجل فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه والدين الذي لا يقبل غيره هو التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع الرسل عليهم السلام وقال علي بن أبي طالب: الإيمان منذ بعث آدم عليه السلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله ولكل قوم شريعة ومنهاج. قال العلماء: وردت آيات دالة على عدم التباين فى طريقة الأنبياء والرسل منها قوله:أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } [الأنعام: 90] ووردت آيات دالة على حصول التباين بينهم منها هذه الآية وهي قوله { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } وطريق الجمع بين هذه الآيات أن كل آية دلت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله ولم يختلفوا فيه.

PreviousNext
1 3