الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

وذلك قوله تعالى: { قَـَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، قال مجاهد: نزلت هذه الآية حين أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الروم، فغزا بعد نزولها غزوة تبوك. وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود، فصالحهم وكانت أول جزية أصابها أهل الإِسلام، وأول ذُلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين. قال الله تعالى: { قَـَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } ، فإنْ قيل: أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قيل: لا يؤمنون كإيمان المؤمنين، فإنهم إذا قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، لا يكون ذلك إيماناً بالله. { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } ، أي: لا يدينون الدين الحق، أضاف الاسم إلى الصفة. وقال قتادة: الحق هو الله، أي: لا يدينون دينَ الله، ودينه الإِسلام. وقال أبو عبيدة: معناه لا يطيعون الله تعالى طاعة أهل الحقّ. { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني: اليهود والنصارى. { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } ، وهي: الخراج المضروب على رقابهم، { عَن يَدٍ } ، عن قهر وذلّ. قال أبو عبيدة: يقال لكل من أعطى شيئاً كرهاً من غير طيب نفس: أعطاه عن يدٍ. وقال ابن عباس: يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم. وقيل: عن يدٍ أي: عن نقد لا نسيئة. وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم، { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } ، أذلاّء مقهورون. قال عكرمة: يعطون الجزية عن قيام، والقابض جالس. وعن ابن عباس قال: تُؤخذ منه ويُوطأ عنقه. وقال الكلبي: إذا أعطى صفع في قفاه. وقيل: يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه. وقيل: يُلبّب ويُجر إلى موضع الإِعطاء بعنف. وقيل: إعطاؤه إيّاها هو الصغار. وقال الشافعي رحمه الله: الصغار هو جريان أحكام الإِسلام عليهم. واتفقت الأمة على جواز أخذ الجزية من أهل الكتابين، وهم اليهود والنصارى إذا لم يكونوا عرباً. واختلفوا في الكتابي العربي وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم، فذهب الشافعي: إلى أنّ الجزية على الأديان لا على الأنساب، فتؤخذ من أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً، ولا تؤخذ من أهل الأوثان بحال، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من أكيدر دومة، وهو رجل من العرب يقال: إنه من غسان، وأخذ من أهل ذمة اليمن، وعامّتهُم عرب. وذهب مالك والأوزاعي: إلى أنها تؤخذ من جميع الكفار إلا المرتد. وقال أبو حنيفة تُؤخذ من أهل الكتاب على العموم، وتؤخذ من مشركي العجم، ولا تؤخذ من مشركي العرب. وقال أبو يوسف: لا تؤخذ من العربي، كتابياً كان أو مشركاً وتُؤخذ من العجمي كتابياً كان أو مشركاً. وأما المجوس فاتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أخذ الجزية منهم.

السابقالتالي
2