قوله تعالى { والضُّحَى } هو قَسَمٌ، وفيه أربعة أوجه: أحدها: أنه أول ساعة من النهار إذا ترحلت الشمس، قاله السدي. الثاني: أنه صدر النهار، قاله قتادة. الثالث: هو طلوع الشمس، قاله قطرب. الرابع: هو ضوء النهار في اليوم كله، مأخوذ من قولهم ضحى فلان الشمس، إذا ظهر لها، قاله مجاهد، والاشتقاق لعلي بن عيسى. { والليلِ إذا سَجى } وهو قَسَم ثان، وفيه خمسة تأويلات: أحدها: إذا أقبل، قاله سعيد بن جبير. الثاني: إذا أظلم، قاله ابن عباس. الثالث: إذا استوى، قاله مجاهد. الرابع: إذا ذهب، قاله ابن حنطلة عن ابن عباس. الخامس: إذا سكن الخلق فيه، قاله عكرمة وعطاء وابن زيد، مأخوذ من قولهم سجى البحر إذا سكن، وقال الراجز:
يا حبذا القمراءُ والليلِ الساج
وطُرُقٌ مِثْلُ ملاءِ النسّاج
{ ما ودَّعَكَ ربُّكَ وما قَلَى } اختلف في سبب نزولها، فروى الأسود بن قيس عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُمي بحجر في إصبعه فدميت، فقال:
هل أنت إلاّ أصبعٌ دَميتِ
وفي سبيل اللَّه ما لَقِيتِ
قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم، فقالت له امرأة يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزل عليه: { ما ودعك ربك وما قلى }. وروى هشام عن عروة عن أبيه قال: أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع لذلك جزعاً شديداً، قالت عائشة: فقال كفار قريش: إنا نرى ربك قد قلاك، مما رأوا من جزعه، فنزلت: { ما ودعك ربك وما قلى } ، وروى ابن جريج أن جبريل لبث عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشرة ليلة فقال المشركون: لقد ودع محمداً ربُّه، فنزلت: { ما ودعك ربك وما قلى }. وفي " وَدَّعَك " قراءتان: أحدهما: قراءة الجمهور ودّعك، بالتشديد، ومعناها: ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك. والثانية: بالتخفيف، ومعناها: ما تركك إعراضاً عنك. " وما قلى " أي ما أبغضك، قال الأخطل:
المهْديات لمن هوين نسيئةً
والمحْسِنات لمن قَلَيْنَ مقيلاً
{ ولَلآخرةُ خير لك مِنَ الأُولى } روى ابن عباس قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسُرّ بذلك، فأنزل الله تعالى: " وللآخرة خير لك من الأُولى " الآية. وفي قوله { وللآخرة خير لك من الأولى } وجهان: أحدهما: وللآخرة خير لك مما أعجبك في الدنيا، قاله يحيى بن سلام. الثاني: أن مآلك في مرجعك إلى الله تعالى أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا، قاله ابن شجرة. { ولسوف يُعْطيك ربُّك فَتَرْضَى } يحتمل وجهين: أحدهما: يعطيك من النصر في الدنيا، وما يرضيك من إظهار الدين. الثاني: يعطيك المنزلة في الآخرة، وما يرضيك من الكرامة.