الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

قوله تعالى { والضُّحَى } هو قَسَمٌ، وفيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه أول ساعة من النهار إذا ترحلت الشمس، قاله السدي.

الثاني: أنه صدر النهار، قاله قتادة.

الثالث: هو طلوع الشمس، قاله قطرب.

الرابع: هو ضوء النهار في اليوم كله، مأخوذ من قولهم ضحى فلان الشمس، إذا ظهر لها، قاله مجاهد، والاشتقاق لعلي بن عيسى.

{ والليلِ إذا سَجى } وهو قَسَم ثان، وفيه خمسة تأويلات:

أحدها: إذا أقبل، قاله سعيد بن جبير.

الثاني: إذا أظلم، قاله ابن عباس.

الثالث: إذا استوى، قاله مجاهد.

الرابع: إذا ذهب، قاله ابن حنطلة عن ابن عباس.

الخامس: إذا سكن الخلق فيه، قاله عكرمة وعطاء وابن زيد، مأخوذ من قولهم سجى البحر إذا سكن، وقال الراجز:

يا حبذا القمراءُ والليلِ الساج   وطُرُقٌ مِثْلُ ملاءِ النسّاج
{ ما ودَّعَكَ ربُّكَ وما قَلَى } اختلف في سبب نزولها، فروى الأسود بن قيس عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُمي بحجر في إصبعه فدميت، فقال:

هل أنت إلاّ أصبعٌ دَميتِ   وفي سبيل اللَّه ما لَقِيتِ
قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم، فقالت له امرأة يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزل عليه: { ما ودعك ربك وما قلى }. وروى هشام عن عروة عن أبيه قال: أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع لذلك جزعاً شديداً، قالت عائشة: فقال كفار قريش: إنا نرى ربك قد قلاك، مما رأوا من جزعه، فنزلت: { ما ودعك ربك وما قلى } ، وروى ابن جريج أن جبريل لبث عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشرة ليلة فقال المشركون: لقد ودع محمداً ربُّه، فنزلت: { ما ودعك ربك وما قلى }.

وفي " وَدَّعَك " قراءتان:

أحدهما: قراءة الجمهور ودّعك، بالتشديد، ومعناها: ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك.

والثانية: بالتخفيف، ومعناها: ما تركك إعراضاً عنك.

" وما قلى " أي ما أبغضك، قال الأخطل:

المهْديات لمن هوين نسيئةً   والمحْسِنات لمن قَلَيْنَ مقيلاً
{ ولَلآخرةُ خير لك مِنَ الأُولى } روى ابن عباس قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسُرّ بذلك، فأنزل الله تعالى: " وللآخرة خير لك من الأُولى " الآية.

وفي قوله { وللآخرة خير لك من الأولى } وجهان:

أحدهما: وللآخرة خير لك مما أعجبك في الدنيا، قاله يحيى بن سلام.

الثاني: أن مآلك في مرجعك إلى الله تعالى أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا، قاله ابن شجرة.

{ ولسوف يُعْطيك ربُّك فَتَرْضَى } يحتمل وجهين:

أحدهما: يعطيك من النصر في الدنيا، وما يرضيك من إظهار الدين.

الثاني: يعطيك المنزلة في الآخرة، وما يرضيك من الكرامة.

السابقالتالي
2 3