الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }

يقول تعالى ذكره: لقد نصركم الله أيها المؤمنون في أماكن حرب توطنون فيها أنفسكم على لقاء عدوّكم ومشاهد تلتقون فيها أنتم وهم كثيرة. { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } يقول: وفي يوم حنين أيضاً قد نصركم. وحنين: واد فيما ذكر بين مكة والطائف وأُجري لأنه مذكر اسم لمذكر، وقد يترك إجراؤه ويراد به أن يجعل اسما للبلدة التي هو بها، ومنه قول الشاعر:
نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أزْرَهُ   بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة،قال: حنين: واد إلى جنب ذي المجاز. { إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } وكانوا ذلك اليوم فيما ذكر لنا اثني عشر ألفاً. ورُوي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذلكَ اليَوْم: " لَنْ نُغْلَبَ مِنْ قِلَّةٍ " وقيل: قال ذلك رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول الله: { إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْن عَنْكُمْ شَيْئاً } يقول: فلم تغن عنكم كثرتكم شيئاً. { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } يقول: وضاقت الأرض بسعتها عليكم. والباء ههنا في معنى «في»، ومعناه: وضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها، يقال منه: مكان رحيب: أي واسع وإنما سميت الرحاب رحاباً لسعتها. { ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } عن عدوّكم منهزمين مدبرين، يقول: وليتموهم الأدبار، وذلك الهزيمة. يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده، وأنه ليس بكثرة العدد وشدّة البطش، وأنه ينصر القليل على الكثير إذا شاء ويخلي القليل فيهزم الكثير. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لَقَدْ نَصَركُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } حتى بلغ:وَذلكَ جَزَاءُ الكافِرِينَ } قال: وحنين ماء بين مكة والطائف قاتل عليها نبيّ الله هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد يا ليل بن عمرو الثقفي. قال: وذكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وألفان من الطلقاء، وذكر لنا أن رجلاً قال يومئذ: لن نغلب اليوم بكثرة قال: وذُكر لنا أن الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس، وجلوا عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عن بغلته الشهباء. وذُكر لنا أن نبيّ الله قال: " أيْ ربّ آتِني ما وعَدْتَنِي " قال: والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: " نادِ يا مَعْشَرَ الأنْصارِ ويا مَعْشَر المُهاجِرِينَ "

السابقالتالي
2 3 4 5