الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

يعني بقوله جل ثناؤه: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ } هذه براءة من الله ورسوله. ف «براءة» مرفوعة بمحذوف، وهو «هذه»، كما في قوله: سُورَةٌ أنْزَلْناها مرفوعة بمحذوف هو «هذه»، ولو قال قائل: براءة مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله: { إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ } وجعلها كالمعرفة ترفع ما بعدها، إذ كانت قد صارت بصلتها وهي قوله: { مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } كالمعرفة، وصار معنى الكلام: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين كان مذهباً غير مدفوعة صحته، وإن كان القول الأول أعجب إليّ، لأن من شأن العرب أن يضمروا لكل معاين نكرة كان أو معرفة ذلك المعاين، هذا وهذه، فيقولون عند معاينتهم الشيء الحسن: حسن والله، والقبيح: قبيح والله، يريدون: هذا حسن والله، وهذا قبيح والله فلذلك اخترت القول الأوّل. وقال: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ } والمعنى: إلى الذين عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين لأن العهود بين المسلمين والمشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتولى عقدها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من يعقدها بأمره، ولكنه خاطب المؤمنين بذلك لعلمهم بمعناه، وأن عقود النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمته كانت عقودهم، لأنهم كانوا لكل أفعاله فيهم راضين، ولعقوده عليهم مسلمين، فصار عقده عليهم كعقودهم على أنفسهم، فلذلك قال: { إلى الَّذِينَ عاهَدْتُم مِنَ المُشْرِكِينَ } لما كان من عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده. وقد اختلف أهل التأويل فيمن برىء الله ورسوله إليه من العهد الذي كان بينه وبين رسول الله من المشركين فأذن له في السياحة في الأرض أربعة أشهر، فقال بعضهم: صنفان من المشركين: أحدهما: كانت مدة العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلّ من أربعة أشهر، وأمهل بالسياحة أربعة أشهر، والآخر منهما كانت مدة عهده بغير أجل محدود فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيثما أدرك ويؤسر إلا أن يتوب. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه أميراً على الحاجّ من سنة تسع ليقيم للناس حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر ومن معه من المسلمين، ونزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم: أن لا يصدّ عن البيت أحد جاءه، وأن لا يخاف أحد في الشهر الحرام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10