الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يعني تعالى ذكره بقوله: إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها، وما هو فاعل فيها بأهل الكفر { تذكرة } يقول: عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ { فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } يقول: فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقاً بالإيمان به، والعمل بطاعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ } يعني القرآن { فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } بطاعة الله. وقوله: { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْل } يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقرب من ثلثي الليل مصلياً، ونصفه وثلثه. اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة بالخفض ونصفه وثلثه بمعنى: وأدنى من نصفه وثلثه، إنكم لم تطيقوا العمل بما افترض عليكم من قيام الليل، فقوموا أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه. وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة بالنصب، بمعنى: إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله: { وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ } يعني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا مؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل. وقوله: { وَاللَّهُ يُقَدّرُ الليْلَ والنهارَ } بالساعات والأوقات. وقوله: { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } يقول: علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل أن لن تطيقوا قيامه { فَتابَ عَلَيْكُمْ } إذ عجزتم وضعفتم عنه، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله { أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } أن لن تطيقوه. حدثني يقعوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرني به عباد بن راشد، قال: سمعت الحسن يقول في قوله { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قال: لن تطيقوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } يقول: أن لن تطيقوه. قال: ثنا مهران، عن سفيان { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ } قال: أن لن تطيقوه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خَلَّتانِ لا يُحْصِيهُما رَجَلٌ مُسْلمٌ إلاَّ أدْخَلَتاهُ الجَنةَ، وهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلْ بِهما قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ عَشْراً، ويَحْمَدُهُ عَشْراً، ويُكَبِّرُهُ عَشْراً "

السابقالتالي
2 3