الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ } { وَأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا } أيها الناس { مَعَ اللَّهِ أحَداً } ولا تشركوا به فيها شيئاً، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَداً } كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحِّد الله وحده. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن محمود، عن سعيد بن جُبير { وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ } قال: قالت الجنّ لنبيّ الله: كيف لنا نأتي المسجد، ونحن ناؤون عنك، وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت: { وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَداً }. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَداً } قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة { وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ } قال: المساجد كلها. وقوله: { وأنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } يقول: وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول: " لا إله إلا الله " { كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض واحدها: لبدة، وفيها لغتان: كسر اللام لِبدة، ومن كسرها جمعها لِبَد وضم اللام لُبدة، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد ومن جمع لابد قال: لُبَّداً، مثل راكِع ورُكَّعاً، وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد، غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يضمها، وهما بمعنى واحد غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضاً لُبْدَةً ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذليّ:
صَابُوا بسِتَّةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍ   حتى كأنَّ عليهِمْ جابِيا لُبَدَا
والجابي: الجراد الذي يجبي كلّ شيء يأكله. واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بقوله: { كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } فقال بعضهم: عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وأنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } يقول: لما سمعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول، فجعل يُقرئه:

السابقالتالي
2 3