الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

يقول تعالى ذكره: الله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، فقوله هو كناية من اسم الله، والأميون: هم العرب. وقد بيَّنا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأميّ أميّ. وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } قال: العرب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ }: العرب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمِّيَّة، ليس فيها كتاب يقرؤونه، فبعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهُدى يهديهم به. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } قال: كانت هذه الأمة امِّيَّة لا يقرؤون كتاباَ. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ } قال: إنما سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأميين، لأنه لم ينزِّل عليهم كتاباً. وقال جلّ ثناؤه { رَسُولاً مِنْهُمْ } يعني من الأميين وإنما قال منهم، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أمِّيًّا، وظهر من العرب. وقوله: { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ } يقول جلّ ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه { وَيُزَكِّيهِمْ } يقول: ويطهرهم من دنس الكفر. وقوله: { وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ } يقول: ويعلمهم كتاب الله، وما فيه من أمر الله ونهيه، وشرائع دينه { وَالْحكْمَةَ } يعني بالحكمة: السنن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ } أي السنة. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: { وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ } أيضاً كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأوّلين، وقرأ قول الله عزّ وجلّ:والسَّابقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ } ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة، قال: وقد جعل الله فيهم سابقين، وقرأ قول الله عزّ وجلّ:والسَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ } وقال:ثُلَّةٌ مِنَ الأوّلِين وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرينَ } فثلة من الأوّلين سابقون، وقليل السابقون من الآخرين، وقرأ:وأصحَابُ اليَمِينِ ما أصحَابُ اليَمِينِ } حتى بلغثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الآخرِينَ } أيضاً، قال: والسابقون من الأوّلين أكثروهم من الآخرين قليل، وقرأوَالَّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوَانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بالإيمَانِ } .. الآية، قال: هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة. وقوله: { وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } يقول تعالى ذكره: وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم في جَوْر عن قصد السبيل، وأخذ على غير هدى { مُبِين } يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال وجَوْر عن الحقّ وطريق الرشد.