الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الزاعمين أن الله حرّم عليهم ما هم محرّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا أيها القوم أقرأ عليكم ما حرّم ربكم حقًّا يقيناً، لا الباطل، تخرّصاً كخرصكم على الله الكذب والفرية ظنًّا، ولكن وحياً من الله أوحاه إليّ، وتنزيلاً أنزله عليّ، ألا تشركوا بالله شيئاً من خلقه ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام ولا تعبدوا شيئاً سواه. { وَبالوَالِدَيْنِ إحْساناً } يقول: وأوصى بالوالدين إحساناً. وحذف «أوصى» وأمر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب. وأما «أن» في قوله: { أنْ لا تُشْركُوا بِهِ شَيْئاً } فرفع، لأن معنى الكلام: قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا به شيئاً. وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: { تُشْركُوا } وجهان: الجزم بالنهي، وتوجيه «لا» إلى معنى النهي. والنصب على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب «تشركوا» بـ«ألاَّ» كما يقال: أمرتك أن لا تقوم. وإن شئت جعلت «أن» في موضع نصب ردّاً على «ما» وبياناً عنها، ويكون في قوله: { تُشْرِكُوا } أيضاً من وجهي الإعراب نحو ما كان فيه منه، و«أن» في موضع رفع، ويكون تأويل الكلام حينئذٍ: قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم، أتْلُ أن لا تشركوا به شيئاً. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله { تُشْرِكُوا } نصباً بـ«أن لا»، أم كيف يجوز توجيه قوله: { أن لا تشركوا به } ، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله: { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إملاقٍ } وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك كما قال تعالى ذكره: { قُلْ إنّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَنْ أسْلَمَ } فجعل «أن أكون» خبراً و«أنْ» اسماً، ثم عطف عليه، وكما قال الشاعر:
حَجَّ وأوْصَى بسُلَيْمَى الأعْبُدَا   أنْ لا تَرَى وَلا تُكَلِّمْ أحَدَا
وَلا يَزَلْ شَرابُها مُبَرَّدَا   
فجعل قوله «أن لا ترى» خبراً، ثم عطف بالنهي، فقال: «ولا تكلم»، «ولا يزل». القول في تأويل قوله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإيَّاهُمْ }. يعني تعالى ذكره بقوله: { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ } ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجز عن أرزاقهم وأقواتهم. والإملاق: مصدر من قول القائل: أملقت من الزاد، فأنا أُمْلِقُ إملاقاً، وذلك إذا فني زاده وذهب ماله وأفلس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكمْ مِنْ إمْلاقٍ } الإملاق: الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر.

السابقالتالي
2 3