الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }

يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء اليهود من بني النضير والمنافقين فيما الله صانع بهم من إحلال عقوبته بهم { كَمَثلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يقول: كشبههم. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالذين من قبلهم، فقال بعضم: عني بذلك بنو قَيْنُقاع. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قوله { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } يعني بني قَيْنُقاع. وقال آخرون: عُني بذلك مشركو قريش ببدر. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبالَ أمْرِهِمْ } قال: كفار قريش. وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذّبي رسوله صلى الله عليه وسلم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاعٍ ووقعة بدر، كانا قبل جلاء بني النضير، وكلّ أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عزّ وجلّ منهم بعضاً في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكلّ ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عُنُوا به من المثل. وقوله: { ذَاقُو وَبالَ أمْرِهِمْ } يقول: نالهم عقاب الله على كفرهم به. وقوله: { وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } يقول: ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذاب أليم، يعني: موجع. وقوله: { كَمَثلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللَّهَ رَبّ العَالمِينَ } يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضيرة النضرة، إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أُخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدّة حاجتهم إليهم، وإلى نُصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غرّ إنْساناً، ووعده على اتباعه وكفره بالله، النصرة عند الحاجة إليه، فكفر بالله واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نُصرته أسلمه وتبرأ منه، وقال له: { إني أخاف الله ربّ العالمين } في نُصرتك. وقد اختلف أهل التأويل في الإنسان الذي قال الله جلّ ثناؤه { إذْ قالَ للإنْسانِ اكْفُرْ } هو إنسان بعينه، أم أريد به المثل لمن فعل الشيطان ذلك به، فقال بعضهم: عُنِي بذلك إنسان بعينه. ذكر من قال ذلك: حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن نهيك، قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: إن راهباً تعبَّد ستين سنة، وإن الشيطان أرداه فأعياه، فعمد إلى امرأة فأجنها، ولها إخوة، فقال لإخوتها: عليكم بهذا القسّ فيداويها، فجاءوا بها، قال: فداواها، وكانت عنده، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته، فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها، فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت بك هذا فأطعني أنجك مما صنعتُ بك، اسجد لي سجدة، فسجد له فلما سجد له قال: إني بريء منك إني أخاف الله ربّ العالمين فذلك قوله: { كمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قالَ للإنْسانِ اكُفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إنّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ }.

السابقالتالي
2 3