الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } * { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } * { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } * { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ }

يقول تعالى ذكره: فشاربٌ أصحابُ الشمال على الشجر من الزَّقوم إذا أكلوه، فملأوا منه بطونهم من الحميم الذي انتهى غليه وحرّه. وقد قيل: إن معنى قوله: { فَشارِبُونَ عَلَيْهِ }: فشاربون على الأكل من الشجر من الزقوم. وقوله: { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة { شُرْبَ الهِيمِ } بضم الشين، وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والبصرة والشأم «شَرْبَ الهِيمِ» اعتلالاً بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأيام منى: " إنَّها أيَّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ ". والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء مع تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته، لأن ذلك في فتحه وضمه نظير فتح قولهم: الضَّعف والضُّعف بضمه. وأما الهِيم، فإنها جمع أهيم، والأنثى هيماء والهيم: الإبل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء. ومن العرب من يقول: هائم، والأنثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا: عائط وعِيط، وحائل وحول ويقال: إن الهيم: الرمل، بمعنى أن أهل النار يشربون الحميم شرب الرمل الماء. ذكر من قال عنى بالهيم الإبل العطاش: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { شُرْبَ الهِيِمْ } يقول: شرب الإبل العطاش. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } قال: الإبل الظماء. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله: { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } قال: هي الإبل المِراض، تَمَصّ الماء مَصًّا ولا تَرْوَى. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } قال: الإبل يأخذها العُطاش، فلا تزال تشرب حتى تهلك. حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرِمة { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } قال: هي الإبل يأخذها العطاش. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن عباس، قال: هي الإبل العطاش. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { شُرْبَ الهِيمِ } قال: الإبل الهيم. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } الهيم: الإبل العطاش، تشرب فلا تروى، يأخذها داء يقال له الهُيام. حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } قال: داء بالإبل لا تَرْوَى معه. ذكر من قال هي الرملة: حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } قال: السِّهْلة. وقوله: { هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس، أن هؤلاء المكذّبين الضالين يأكلونه من شجر من زقوم، يشربون عليه من الحميم، هو نزلهم الذي ينزلهم ربهم يوم الدين، يعني: يوم يدين الله عباده. وقوله: { نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقونَ } يقول تعالى ذكره لكفار قريش والمكذّبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا شيئاً، فأوجدناكم بشراً، فهلا تصدّقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد مماتكم وبِلاكم في قبوركم، كهيأتكم قبل مماتكم.