الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } * { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

" إنَّ الـمَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِـي العَنان وَهُوَ السَّحابُ فَتَذْكُرُ ما قُضِيَ فِـي السَّماءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّياطِينُ السَّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلـى الكُهَّانِ، فَـيَكْذِبُونَ مَعَها مِئَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسهِمْ ". فهذه الأخبـار تُنبىء عن أن الشياطين تسمع، ولكنها تُرْمى بـالشهب لئلا تسمع. فإن ظنّ ظانّ أنه لـما كان فـي الكلام «إلـى»، كان التسمع أولـى بـالكلام من السمع، فإن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أن العرب تقول: سمعت فلاناً يقول كذا، وسمعت إلـى فلان يقول كذا، وسمعت من فلان. وتأويـل الكلام: إنا زينا السماء الدنـيا بزينة الكواكب. وحفظاً من كلّ شيطان مارد أن لا يسَّمَّع إلـى الـملإ الأعلـى، فحذفت «إن» اكتفـاء بدلالة الكلام علـيها، كما قـيـل: كذلك سلكناه فـي قلوب الـمـجرمين لا يؤمنون به بـمعنى: أن لا يؤمنوا به ولو كان مكان «لا» أن، لكان فصيحاً، كما قـيـل:يُبَـيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } بـمعنى: أن لا تضلوا، وكما قال:وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ } بـمعنى: أن لا تـميد بكم. والعرب قد تـجزم مع «لا» فـي مثل هذا الـموضع من الكلام، فتقول: ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعض بنـي عُقَـيـل:
وَحتـى رأَيْنا أحْسَنَ الوُدّ بَـيْنَنا   مُساكَنَةً لا يَقْرِفِ الشَّرَّ قارِفُ
ويُروي: لا يقرف رفعاً، والرفع لغة أهل الـحجاز فـيـما قـيـل: وقال قتادة فـي ذلك ما: حدثنـي بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { لا يَسَّمَّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأَعْلَـى } قال: منعوها. ويعنـي بقوله: { إلـى الـمَلإِ }: إلـى جماعة الـملائكة التـي هم أعلـى مـمن هم دونهم. وقوله: { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً } ويُرْمَوْن من كلّ جانب من جوانب السماء دُحُوراً والدحور: مصدر من قولك: دَحَرْته أدحَرُه دَحْراً ودُحوراً، والدَّحْر: الدفع والإبعاد، يقال منه: ادْحَرْ عنك الشيطان: أي ادفعه عنك وأبعده. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانِبٍ دُحُوراً } قذفـاً بـالشهب. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَيُقْذَفُونَ } يُرمَوْن { مِنْ كُلّ جانِبٍ } قال: من كلّ مكان. وقوله: { دُحُوراً } قال: مطرودين. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانبٍ دُحُوراً } قال: الشياطين يدحرون بها عن الاستـماع، وقرأ وقال:إلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ } وقوله: { ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } يقول تعالـى ذكره: ولهذه الشياطين الـمسترِقة السمع عذاب من الله واصب. واختلف أهل التأويـل فـي معنى الواصب، فقال بعضهم: معناه: الـموجع. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبـي زائدة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } قال: موجع.

PreviousNext
1 2 3 4 6