الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً }

يقول تعالـى ذكره لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين أمنوا بـالله ورسوله، لا تدخـلوا بـيوت نبـيّ الله إلا أن تُدْعَوا إلـى طعام تطعمونه { غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ } يعنـي: غير منتظرين إدراكه وبلوغه وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يَأنِـي إنىً وأنْـياً وإنَاءً قال الـحُطَيئة:
وآنَـيْتُ العَشاءَ إلـى سُهَيْـلٍ   أوِ الشِّعْرَى فَطالَ بـيَ الأَناءُ
وفـيه لغة أخرى، يقال: قد إن لك: أي تبـين لك إيناً، ونال لك، وأنال لك ومنه قول رُؤبة بن العَجاج:
هاجَتْ وَمِثْلِـي نَوْلُه أنْ يَرْبَعا   حَمامَةٌ ناخَتْ حَماماً سُجَّعا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: إلـى طَعامٍ { غيرَ ناظِرِينَ إناهُ } قال: مُتَـحَيِّنـين نُضْجَه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، { غيرَ ناظِرِينَ إناهُ } يقول: غير ناظرين الطعامَ أن يُصْنَع. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { غيرَ ناظِرِينَ إناهُ } قال: غير متـحينـين طعامه. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. ونصب { غيرَ } فـي قوله: { غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ } علـى الـحال من الكاف والـميـم فـي قوله: { إلاَّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } لأن الكاف والـميـم معرفة وغير نكرة، وهي من صفة الكاف والـميـم. وكان بعض نـحويِّـي البصرة يقول: لا يجوز فـي «غير» الـجرّ علـى الطعام، إلا أن تقول: أنتـم، ويقول: ألا ترى أنك لو قلت: أبدى لعبد الله علـيّ امرأة مبغضاً لها، لـم يكن فـيه إلا النصب، إلا أن تقول: مبغض لها هو، لأنك إذا أجريت صفته علـيها، ولـم تظهر الضمير الذي يدلّ علـى أن الصفة له لـم يكن كلاماً، لو قلت: هذا رجل مع امرأةٍ مُلازِمِها، كان لـحناً، حتـى ترفع، فتقول ملازمُها، أو تقول مُلازمِهَا هُو، فتـجرّ. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: لو جعلت «غير» فـي قوله: { غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ } خفضاً كان صوابـاً، لأن قبلها الطعام وهو نكرة، فـيجعل فعلهم تابعا للطعام، لرجوع ذكر الطعام فـي إناه، كما تقول العرب: رأيت زيداً مع امرأةٍ مـحسناً إلـيها ومـحسنٍ إلـيها، فمن قال مـحسناً جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيته مع التـي يحسن إلـيها فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها وإن كانت فعلاً لغير النكرة، كما قال الأعشى:
فَقُلْتُ لَهُ هَذِهِ هاتِها   إلَـيْنا بِأَدْماءَ مُقْتادِها
فجعل الـمقتاد تابعاً لإعراب بأدماء، لأنه بـمنزلة قولك: بأدماء تقتادها، فخفضه، لأنه صلة لها، قال: ويُنْشَد: «بأدماءِ مقتادِها» بخفض الأدماء لإضافتها إلـى الـمقتاد، قال: ومعناه: هاتها علـى يدي من اقتادها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7